قصة مدينتين: القاهرة وسان فرانسيسکو في رواية أمريکانلي لصنع الله إبراهيم دراسة مقارنة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم اللغة العربية-کلية الألسن-جامعة عين شمس

المستخلص

تنتمي الدراسة إلى مجال من مجالات الأدب المقارن وهو" الصورولوجيا " أي الصورة الأدبية .
تتناول الدراسة عناصر بناء الصورة الأدبية من خلال المقارنة بين مدينتي القاهرة وسان فرانسيسکو؛ النشأة و التطور ،  التي کانت أحد المحاور الرئيسة في رواية "أمريکانلي" للکاتب الروائي صنع الله إبراهيم . تکشف الرواية صورة کل من المدينتين دون مواربة أو تزييف ، مما يضفي بعدا واقعيا متناغما و البعد الروائي  .
يکشف النص الروائي "أمريکانلي " -في نبرة يطغى عليها الهدء بعيدا عن التعصب و الانفعال –الحضور القوي للذات أمام الآخر ، في مکاشفة تفصل تلک العلاقة ، وتضعها في إطارها الصحيح .
 قد يتبادر لذهن المتلقي صعوبة المقارنة بين المدينتين ، بيد أن القراءة المقارنة تکشف لنا مظاهر التلاقي بين المدينتين وکذلک نقاط التباعد .
استطاع الکاتب الروائي صنع الله إبراهيم تصوير ملامح کل من القاهرة وسان فرانسيسکو بصورة تبدو مقنعة في کثير من عناصرها ؛ کالنشأة والتطور ، تلک العناصر التي جعلت کلتيهما واحدة من کبريات المدن في العالم رغم ما أصابهما من کوارث طبيعية ، وجيوش استعمارية ، خلفت المدينتين أکثر صلابة وقوة ، مثل طائر العنقاء ذا الجذور المصرية والمرسوم على علم سان فرانسيسکو .
الرواية واحدة في سلسلة من الروايات الکاشفة للصدام الحضاري بين الشرق والغرب ، الداعمة للتوجه الحضاري جهة الغرب من أجل الأخذ برکب التطور الحضاري .

الكلمات الرئيسية


قصة مدینتین: القاهرة وسان فرانسیسکو

فی روایة أمریکانلی لصنع الله إبراهیم

دراسة مقارنة

إعداد

د/ سعاد أمین محمد السید

قسم اللغة العربیة-کلیة الألسن-جامعة عین شمس

تنتمی الدراسة إلى مجال من مجالات الأدب المقارن وهو" الصورولوجیا " أی الصورة الأدبیة .

تتناول الدراسة عناصر بناء الصورة الأدبیة من خلال المقارنة بین مدینتی القاهرة وسان فرانسیسکو؛ النشأة و التطور ،  التی کانت أحد المحاور الرئیسة فی روایة "أمریکانلی" للکاتب الروائی صنع الله إبراهیم . تکشف الروایة صورة کل من المدینتین دون مواربة أو تزییف ، مما یضفی بعدا واقعیا متناغما و البعد الروائی  .

یکشف النص الروائی "أمریکانلی " -فی نبرة یطغى علیها الهدء بعیدا عن التعصب و الانفعال –الحضور القوی للذات أمام الآخر ، فی مکاشفة تفصل تلک العلاقة ، وتضعها فی إطارها الصحیح .

 قد یتبادر لذهن المتلقی صعوبة المقارنة بین المدینتین ، بید أن القراءة المقارنة تکشف لنا مظاهر التلاقی بین المدینتین وکذلک نقاط التباعد .

استطاع الکاتب الروائی صنع الله إبراهیم تصویر ملامح کل من القاهرة وسان فرانسیسکو بصورة تبدو مقنعة فی کثیر من عناصرها ؛ کالنشأة والتطور ، تلک العناصر التی جعلت کلتیهما واحدة من کبریات المدن فی العالم رغم ما أصابهما من کوارث طبیعیة ، وجیوش استعماریة ، خلفت المدینتین أکثر صلابة وقوة ، مثل طائر العنقاء ذا الجذور المصریة والمرسوم على علم سان فرانسیسکو .

الروایة واحدة فی سلسلة من الروایات الکاشفة للصدام الحضاری بین الشرق والغرب ، الداعمة للتوجه الحضاری جهة الغرب من أجل الأخذ برکب التطور الحضاری .

کلمات مفتاحیة : أمریکانلی – صنع الله إبراهیم – القاهرة – سان فرانسیسکو – أدب مقارن

 

A Tale of Two Cities:

Cairo and San Fransisco in Son’aalla Ibrahim’s novel Americanle: A Comparative study.

Dr. Soad Amin Muhammed.

Abstract:

The study belongs to a field of comparative literature which is “ Imagology “ . The study tackles the elements of building the  literary image by comparing between the two cities of Cairo and San Francisco. It traces their emergence and development which functioned as a main access in Son’allah Ibrahim’s novel Americanle. The novel clearly uncovers the image of the two cities, which casts a realistic dimension. Upon the novel. The text of Americanle calmly reveals the powerful presence of the self before the other in a situation that details such a relationship and puts it in its right frame.

Though the recipient might think it difficult to compare between the two cities, the comparative reading would reveal points of similarity and difference. The novelist San’allah Ibrahim manages to depict the features of both Cairo and San Francisco through an image that seems convincing in many of its elements – elements that made both among the greatest cities of the world despite being inflicted by natural disasters and colonizing armies that left the cities were stronger, just like the Egyptian – rooted phoenix that is drawn on San Francisco’s flag.

The novel comes as one of a series of novels that reveal the natural confrontation between the East and the West. It supports the cultural orientation towards the West in order to cope cultural development.

Keyword:

Americanle – Son’allah Ibrahim – Cairo – San Francisco – Comparative Literature

 


قصة مدینتین: القاهرة وسان فرانسیسکو

فی روایة أمریکانلی لصنع الله إبراهیم

دراسة مقارنة

إعداد

د/ سعاد أمین محمد السید

مقدمة:

دراسة الصورة (الصورولوجیا) :

الصورة فعل ثقافی لأنها صورة عن الآخر المختلف ؛ لغة وجنسا ودینا ، إنها فعل تختلط فیه المشاعر بالأفکار . و ترجع الصورة الأدبیة إلى واقع ترسمه وتدل علیه، بید أن الخیال هو الذی یرفع لغة الصورة إلى مرتبة الجمال الفنی، وهو فی الوقت نفسه تعبیر عن المجتمع والثقافة ، إذ یجسد المسرح والمکان الذی تعبر فیه اللغة عن نفسها بطریقة مجازیة، أی بمساعدة الصور والأشکال.[1]

إن الصورة التی یرسمها أدیب ما - بلغته القومیة وفی أدبه القومی- لمجتمع آخر أجنبی لا تعبر عن مشکلات هذا المجتمع وهمومه وقضایاه ، ولا تنبع من التزام الأدیب حیال المجتمع الأجنبی،  ومن رغبته فی إصلاحه أو تغییره نحو الأفضل ، وهی کذلک لیست ولیدة توحد الأدیب واندماجه مع ذلک المجتمع الذی لا یرتبط به قومیاً؛ جنسیة ولغة ، والذی بدوره یلفظ من یتنکر لأصوله وجذوره . الصورة التی یرسمها الأدیب لمجتمع أجنبی تنبع أولاً وقبل کل شیء من مشکلات الأدیب نفسه ؛ أفکاره ، آرائه ، علاقاته بالآخرین ، و مشکلات قومه التی یرصدها فی مواجهة الآخر ، لذلک تلبی الصورة الأدبیة فی الدرجة الأولى حاجات نفسیة أو فنیة أو للذات ، دون أن تلبی حاجات المجتمع المصورة له.

إن الدراسات التی تتخذ الصورة بأشکالها المتنوعة والمتعددة موضوعاً لها،یطلق علیها الصورولوجیاImageology)) أو کما تسمی فی بعض الترجمات بـ(الصوریة) أو(علم الصورة ) الذی یعنى بدراسة الصور الثقافیة التی رسمتها الشعوب عن بعضها بعضا.[2] 

 

مجال الدراسة:

تندرج الدراسة ضمن مجال من مجالات الأدب المقارن ؛ أعنی أدب الصورة ، والتی تسد فراغا فی دراسات العلاقة بین الذات والآخر وإظهار أوجه التشابه والاختلاف ، وما یجعل المستحیل ممکنا فی علاقة البلدان رغم اختلاف المواقع والأجواء بصفة عامة ، بل ربما یجعل العدو صدیقا برؤیة الوجه الآخر الخفی للصورة والعکس صحیح . دراسة الصورة انعکاس لکثیر من الأفکار والمشاعر المؤثرة فی تشکیل موقف ما أو صورة ما تجاه شعب من الشعوب ، أو أمة من الأمم . وکذلک التمثیلات والطرق التی یرى فیها مجتمع  مجتمعا آخر، ویکمن دورها فی رفض الأحکام المعلنة و المسبقة والمنحازة مع أو ضد ، والإلحاح على ضرورة الانفتاح على الآخر قلبا وعقلا بهدف تحقیق نظرة شمولیة للإنسان فی حقیقته المجردة بعیدا عن السیاسة والأهواء.


أهمیة الدراسة:

بناء على ما سبق ، تفید دراسة الصورة الأدبیة للآخر فی توسیع الآفاق الإنسانیة ، والتفکیر  وإبداء الرأی، بل  والحلم بصورة  مختلفة . إنها إغناء للشخصیة وتعلم من جهة أخری ، هذا علی المستوی الفردی، أما علی المستوی الجماعی فتفید فی تصریف الانفعالات المکبوتة تجاه الآخر والتی تشکلت بفعل معلومات خاطئة ، أو فی التعویض وتسویغ أوهام المجتمع الکامنة فی أعماقه بفعل معلومات مبالغ فی أهمیتها ، کذلک تبین الصورة المغلوطة المکونة عن الشعوب، فتسهم فی إزالة سوء التفاهم وتؤسس لعلاقات معافاة من الأوهام والتشویه السلبی والإیجابی، وتعطی الآخر حقه کما تعطی الذات[3]. إن دراسة الصورة وهی توسع آفاقنا وزاویة الرؤیة ، وتزیدنا معرفة بذواتنا، تعلمنا کیف نقرأ الآخر بموضوعیة بمعزل عن الهوى والتعصب فتغتنی ثقافتنا عبر الانفتاح على الآخر تسامحا وتعایشا سلمیا بین المجتمعات الإنسانیة.

صنع الله ابراهیم فی روایته " أمریکانلی " إذ یرسم صورة لمجتمعین- من رؤیة متوازنة للذات والآخر-؛ أحدهما ینتمی إلیه والآخر وافد علیه ، محاولا رصد أوجه التشابه والاختلاف ، مبرزا عناصر سلبیة ربما غفل عنها کثیرون ممن أبهرتهم الصور الأولیة دون التعمق فیما وراءها ، دون الغوص فی أعماقها ، مشیرا فی الوقت ذاته إلى تطور ورقی - فعلیا و واقعیا -جعل الأحدث تاریخا الأقوى والأفضل؛ بما یمتلکه من عناصر بشریة ، وموارد طبیعیة ، وقدرات تکنولوجیة لا تتوافر بذات التقنیة للأقدم تاریخیا.

أمریکانلی[4] لصنع الله ابراهیم ، روایة صدرت فی بدایة الألفیة الثالثة تقدم صورة أدبیة- للذات والآخر- متعددة الاتجاهات ما بین اجتماعیة ، وسیاسیة ، وتاریخیة ، وثقافیة ... مصورة تلک العلاقة الجدلیة بین الشرق والغرب التی تضرب بجذورها فی عمق التاریخ .

ما قبل أمریکانلی :

أولا :فی القرن التاسع عشر:

   فی نهایة القرن الثامن عشر وبدایة القرن التاسع عشر أصیبت منطقتنا العربیة بما نطلق علیه بلغة العصر إعصار تسونامی . وما بین الیقظة والاندهاش أقدمت المنطقة على التغییر والتعدیل والتبدل والانتقال من : إلى . ما کان بالأمس فقر وجهل ومرض وتخلف ، قابله رغبة حقیقیة فی التطور والبناء والازدهار. تمثل تسونامی القرن التاسع عشر فی مقدم الحملة الفرنسیة وانحسارها فی غضون ثلاث سنوات ، کانت تلک السنوات کفیلة برسم معالم حضاریة جدیدة للمنطقة ، تمثلت فی إرسال البعثات الواحدة تلو الأخرى لتشکیل نموذجا نهضویا یعبر بالمنطقة من الماضی المظلم إلى حاضر مشرق یلیق بـ ـتراثها و حضارتها التی کانت ملء السمع والبصر وقد سادت العالم شرقه وغربه .

تکفل الرواد الأوائل أمثال ؛ رفاعة الطهطاوی ، وعلی مبارک ، والإمام محمد عبده بالعمل على بناء جسور التواصل مع الغرب فی محاولة للإفادة والاستفادة مما وصل إلیه الغرب فی کافة المجالات ؛ اجتماعیا ، وسیاسیا ، وأدبیا... وأنتج لنا رفاعة الطهطاوی " تخلیص الإبریز فی تلخیص باریز" مشکلا من کتابه نموذجا استنهاضیا للشرق من خلال الرحلة إلى الغرب."[5] وأصدر على مبارک کتابه " علم الدین " والذی أراد من خلاله "أن یهیئ الطریق أمام تجربة الآخر لتبلغ الفائدة منها مداها دون جمود أو تخوف "[6].  وقد جاء تناولهما التجربة الغربیة من خلال استدعاء المتشابه والمختلف من الشرق والغرب - وإن کثر الاختلاف وقل التشابه- والهدف المعلن والمنشود النهوض بالشرق عن طریق الاتصال بالغرب .

توالت البعثات الرسمیة ، والرحلات التطوعیة من قبل الراغبین فی المشارکة والمساهمة فی عملیة التحدیث والخروج بالمنطقة العربیة مما رزخ على عاتقها وأعادها إلى عصور التخلف والتقهقر - وقد أصبحت ثرواتها نهبا، ومطمعا لکل راغب فی المغامرة والاستمتاع بکنوز الشرق وغموضه – وقد تملکتهم رغبة التمرد على الذات ، مقابل خضوع واستسلام دام قرونا طویلة .

وقد کشفت کثیر من الأعمال التی صدرت فی تلک الفترة – القرن التاسع عشر – عن حضور قوی لثنائیة الشرق والغرب وما یستدعیه من معان ودلالات : الشرق : الذات ، والبعد الروحی ، والواقع الذی بلغ حافة الهاویة ، والتأخر فی کافة نواحی الحیاة ، مقابل الغرب وما یستحضره من معان ودلالات: الآخر ، والحضارة المادیة ، والتقدم والتطور الصناعی والتکنولوجی ؛ مما زاد من حدة الصراع والمقاومة .

 فکرة الصراع الحضاری بین الشرق والغرب وما دار من مساجلات وحوارات ودعاوى بالهیمنة والتبعیة ، وفکرة الخروج من أسر الغرب والفکاک من براثنه طرحت على ساحة الأدب العربی وتجلت بدایة فی عدد من المقالات التی کتبها رواد الفکر العربی أمثال : رفاعة الطهطاوی ، علی مبارک ، و أدیب إسحاق، ویعقوب صروف[7] ، و روحی الخالدی[8]، وفخری أبو السعود[9] ، وخلیل هنداوی[10]... ، ومحاولاتهم لإیقاظ الفکر العربی وإطلاعه على الجدید من الأشکال الأدبیة والتی یفتقدها الفکر العربی ، والخروج من قوقعة الانغلاق التی فرضتها عصور الظلام والتخلف عن طریق عقد مقارنات التشابه والتوازی التی تجاوزت حدود الزمان والمکان ، وابتعدت عن المألوف والمعتاد، والخروج من دائرة المسلمات  إلى آفاق أرحب وأکثر اتساعا. وتجاوز نبرة التعالی الحضاریة وما قدمته الحضارة العربیة للعالم إلى محاولة للاقتداء واقتفاء الأثر.


ثانیا فی القرن العشرین:

فی القرن العشرین ظهر عدد من الأعمال الأدبیة تجاوزت المقال إلى القصص التی تصدت للفکرة ذاتها ؛ العلاقة الجدلیة بین الشرق والغرب ، مثل عصفور من الشرق لتوفیق الحکیم 1938م، موسم الهجرة إلى الشمال للطیب صالح 1966م ، ونیویورک80 لیوسف إدریس 1980م. وصاحب تلک الروایات تطور فی مجال رؤیة العلاقة بین الشرق والغرب وصاحبها رؤیة متعمقة ، أکثر إدراکا ووعیا بمتغیرات العصر، مع بذل المحاولات لمعرفة سر تقدم الغرب ورقیه الحضاری على کافة الأصعدة ، مع التمسک بقیم الشرق الروحیة منها ، والحفاظ على عاداته وتقالیده ، وما یمیز الشرق ویجعل هناک مسافة بین ما هو شرقی وما هو غربی" فی مرحلة تشهد بلا شک تفوقا حضاریا للأخیر"[11].

   وفی أوائل الألفیة الثالثة صدرت روایة "حب فی کوبنهاجن[12]،" وتدور أحداثها فی کوبنهاجن، وتنناول علاقة الأنا بالآخر بمرجعیاتهما المتباعدة: سیاسیا، واجتماعیا، ودینیا، وحضاریا."[13]- القضیة ذاتها-من خلال استدعاء المواقف، واستحضار ورسم الصور المتباینة والمتشابهة ، واستخدام الرموز فی محاولة للاندماج والاستیعاب ما بین الشرق والغرب .

وهناک أیضا روایة "شیکاجو"[14] وتدور أحداثها فی مدینة شیکاغو، واعتمد الکاتب فی بناء روایته على نظریة الأقطاب أو الثنائیات المتنافرة المتضادة، وکانت الروایة فی معظمها مفاهیم وصراعات مستقطبة بشدة مثل الخیر والشر، والحیاة والموت، والوفاء والخیانة. وهی لا تختلف کثیرا عن سابقتها وکأنهما من مصدر واحد، ما یفرق إحداهما عن الأخرى هو المکان الذی تدور فیه الأحداث .

مما هو لافت للانتباه عنونة کثیر من الروایات بأماکن الأحداث والتی تشیر إلى الغرب – أوروبا أو أمریکا- کذلک التوجه الدائم ناحیة الغرب لا الشرق فلم نر مثلا حب فی الصین أو الهجرة إلى الهند ، أو الطریق إلى مالیزیا ... مما یدلل على الوعی بالتوجه والمقصد .  کثافة حضور المکان فی تلک الروایات بدءا من العنوان ، شکل مفتاحا استراتیجیا لقراءة تلک النصوص ؛ حیث یحمل دلالة لفضاءین متباعدین ومتناقضین ، وهما الغرب فی مواجهة مباشرة مع الشرق حیث لکل فضاء رصیده الحضاری وقیمه الموروثة من معطیات المکان والموقع الجغرافی .

أمریکانلی صنع الله إبراهیم:

     روایة تنضم لتلک السلسلة التی تناقش جدلیة العلاقة بین الشرق والغرب عبر الارتحال إلى الغرب " ربما کان أکثر ما یجسد هذه العلاقة الشائکة الآن روایة صنع الله إبراهیم"[15].. من قراءة العنوان نلمح تلک الثنائیة الضمنیة فأمریکانلی / الغرب/الآخر/سان فرانسیسکو فی مواجهة الشرق  /الذات/القاهرة، وما یترتب على ذلک من وقوع صدام حتمی فی محاولة تحدید السمات والصفات برؤیة یهیمن علیها رؤیة واعیة ، متأنیة، هادئة یغیب عنها بوعی تام لغة الصراخ والتعصب. وکما فعل الشیخ رفاعة الطهطاوی بنصیحة شیخه ومعلمه وملهمه الشیخ حسن العطار بتدوین یومیاته لیقدم کتابا للمکتبة العربیة[16]، یقدم لنا صنع الله ابراهیم روایة هی أقرب إلى تدوین یومیات الجزء الأدبی فی الروایة یستعرض فیها الدکتور شکری/ صنع الله إبراهیم قصة حیاته، وهى تجربة غنیة بالتفاصیل الممیزة ، ولکن فی رأیی کان من الممکن أن تأتی أفضل مما جاءت ، ففی مواضع کثیرة مهمة ومؤثرة جاء التناول فی عجالة دون ترکیز ؛ حیث اهتم بالسرد فقط ؛ مثل تجربة الإبعاد عن الوطن، وحالة التنمر التی تعرض لها البطل بعد کتابه الذی تناول فیه الغزو العربی لمصر، وهی دراسة " ملیئة بالمزالق والأشواک..."[17] وکذلک  حالته النفسیة وتشخیصها ، ونموذج المشردین ، ومجتمع الغرباء فی سان فرانسیسکو، وموقف المثقفین من الاحتلال الإسرائیلی ولا أعفیه من سلبیته تجاه الموقف الأخیر . والعکس صحیح ، فی مواضع أخرى سطحیة وغیر مؤثرة فی السیاق ، اهتم بالتفاصیل المتکلفة -خاصة فیما یتعلق بحیاته الجنسیة ومغامراته الفاشلة - والوصف التفصیلی والممجوج  لکل النساء اللائی تعرف بهن ؛ زمیلات ، طالبات ، صدیقات وغیرهن.. ولم یلق الضوء على أبعاد جدیدة قد تکون مؤثرة أو یستدعیها الموقف  بل جاءت کلها نموذجاً مکرراً لکل تجاربة النسائیة الفاشلة.

أولا: العنوان : لماذا أمریکانلی ؟

لا یمکن فهم النص وإدراک مکنوناته بعیدا عن فهم مغزى العنوان وعناصره البنائیة حیث" قراءة المتن مشروطة بقراءة هذه العناصر ، فکما أننا لا نلج فناء الدار قبل المرور بعتباتها ، کذلک لا یمکننا الدخول إلى عالم المتن قبل المرور بعتباته ، لأنها تقوم-بین ما تقوم به- بدور الوشایة والبوح ، ومن شأن هذه الوظیفة أن تساعد فی قراءة سلیمة للکتاب أو النص "[18]. وتتأتى تلک الضرورة لمحاولة فهم وتفسیر مغزى عتبات النص الأولى حین لم یعد النص هو الغایة الوحیدة التی یقصدها المتلقی لأن ما حول النص من عتبات نصیة أصبحت تؤثر تأثیرا بالغا فی طبیعة و وسیلة التناول والمعالجة الفنیة ، بل إنها تشکل " نظاما إشاریا ، ومعرفیا ، لا یقل أهمیة عن المتن"[19].بالنظر إلى عنوان الروایة نجده مکونا من کلمة واحدة موجزة هی " أمریکانلی " ذات کثافة دلالیة، تتلاءم مع مضمون الروایة، والقضیة التی یعالجها؛التوجه غربا،ملحقا به عنوانا فرعیا بمثابة تقطیع للعنوان الرئیسی کتب هکذا: أمری کان لی .

یستدعی صنع الله إبراهیم شعارا ساد فی فترة السبعینات تمجیدا وتعظیما لکل ما هو قادم من الغرب ، تحدیدا " أمریکا" .أطلق هذا المصطلح على أی سلعة ذات بریق وسریعة التلف والاستهلاک فی آن واحد .انفردت أمریکا عقب نهایة الحرب العالمیة الثانیة بسیادة العالم " فقد خلفت الحرب العالمیة الثانیة طلبا على سلع واحتیاجات لم تعد الصناعة الإنجلیزیة أو الألمانیة قادرة على تلبیتها وغمرت الأسواق بمنتجات سعى صناعها الأمریکیون وراء ربح سریع فلم یعتنوا بجودتها"[20]. واتفقت الرغبة الأمریکیة مع الرغبة المجتمعیة ، أقبل الکثیرون على کل ما هو قادم من أمریکا "بدلا من الإقدام على مشروعات ضخمة تؤتی أکلها بعد عقود ، اقتصرت أحلامها على الربح السریع الذی یتحقق من المشروعات الخدمیة والاستیراد".[21]شبق الحصول على السلع الأمریکیة استبد بالمجتمع ، وترافق معه انبهار بالمجتمع الأمریکی بوجه عام ، والنظر إلى ما یصدر إلینا من أحادیث وکتابات عن الجنة الموعودة التی أصبحت قبلة للنابهین من أبناء الوطن . لقد سعى کثیر من أبناء الوطن العربی إلى السفر والحصول على الجنسیة الأمریکیة لیصبح "أمریکانی" وما یتبعها من ممیزات تجعل له الفوقیة على أبناء بلده ، ومن طقوسها أداء القسم،یقول السارد" اتسعت ابتسامته وهو یرفع یده مبسوطة فی وضع القسم : أقسم بالولاء لـ"الولایات المتحدة " أولا وأخیرا. وأن تکون المصلحة الأمریکیة فوق کل اعتبار وأن أرعى المصلحة والأمن القومی الأمریکیین، سواء کنت هنا فی الوطن أو فی مصر"[22]. نعم الولاء للولایات المتحدة فی الداخل والخارج ، إنه التأمرک الذی بات هدفا وغایة منشودة .

أصبح المجتمع الشرقی " أمریکانلی " أی متأمرک یتبع النمط والنموذج الأمریکی ، وتبع ذلک بالضرورة  ( أمری کان لی ) جملة بطولها تفید الخبر فیما آل إلیه الأمر  أن هناک ما کان یملک أمره ثم لم یعد یملکه الآن .

ثانیا: الروایة :

تبدأ أحداث الروایة عقب وصول الأستاذ الجامعی المصری " شکری[23]" لولایة سان فرانسیسکو إحدى الولایات المتحدة الأمریکیة[24]،على إثر دعوة تلقاها من صدیق قدیم هو د/ ماهر لبیب یقول السارد" أحد الطیور المغادرة ، مصریا من الجیل التالی لی مباشرة وقمت بالتدریس له عندما کنت معیدا فی جامعة القاهرة . وکان متفوقا فی دراسته فتلقى منحة من جامعة کولومبیا ، ونال الدکتوراة بامتیاز ، ثم رفض العودة واستقر فی أمریکا ، وحصل على الجنسیة الأمریکیة"[25]، وهو مدیر معهد یعنى بالتاریخ المقارن.

 کلف د." شکری" بتدریس: سیمنار لمجموعة من الطلاب ذوی الاتجاهات المتعددة  " تتابع وفود طلابی. وأحصیت أحد عشر فردا التفوا أمامی حول الطاولة یتأملونی فی توجس . کانوا ثلاثة شبان –أحدهم أحمر الشعر – وثمانی فتیات بینهن واحدة سمراء غطت شعرها على الطریقة الإسلامیة. وتنوعت ملامح الجمیع بین صینیة أو یابانیة وهندیة أو أفریقیة فضلا عن أوروبیة [26] لم یقتصر تنوع الطلاب الأمریکیین على الأصول والخلفیات الثقافیة المتباینة ، بل والدیانات أیضا فبینهم الیهودی "مونا" و المسلم" فادیة، وفرنون الأسود(عبد الرحمن)" والمسیحی"دوریس ، شیرلی ، میجان ،لاری ،سابک "وغیرهم . ذلک التنوع الجنسی والدینی والعرقی والثقافی ، إضافة لحریة فکریة حلت على السیمنار شکلت لونا من تبادل الأفکار والأطروحات فی کافة الموضوعات کما شکلت ثراء فکریا من خلال الهامش الذی شکل صوتا إضافیا لصوت الراوی . ومن السیمنار تبدأ رحلة السرد التاریخیة ، والاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة لأهم المتغییرات التی حدثت فی العالم.

وقد ناقشت الروایة قضایا عدة ؛ تاریخیة وسیاسیة واجتماعیة واقتصادیة ونفسیة مختلفة ، ومن ذلک : تاریخ مصر القدیم والحدیث ؛ منذ الفراعنة مرورا بالفتح العربی (الإسلامی ) وحتى العصر الحالی ، التاریخ الأصلی لأمریکا قبل اکتشافها ،  کما تقدم الروایة معلومات تاریخیة – ربما أثقلت کاهلها - تتناول شخصیات حقیقیة موثقة بمستندات وأدلة ومراجع "وأضفت إلیها کتاب "ألبرت حورانی" عن تاریخ الشعوب العربیة ومؤلفات"اریک هاوبسباوم"[27] وکذلک تنوعت الموضوعات المقترحة للسیمنار؛ "عنونت مونا ورقتها ب" مفاهیم خاطئة فی التاریخ" ...،  ورقة فادیة تناقش فکرة "المنقذ الغائب" فی الثقافتین العربیة والأنجلو سکسونیة...الورقة التالیة لسابک بعنوان"الإبادة وفرن الصهر"... ورقة دوریس کان موضوعها هو کتاب "ادواردو جولیانو"الذی یمزج بین التوثیق العلمی والإبداع الأدبی... تعرض لاری فی ورقته لفترة العشرینیات من القرن وموجة الثوارت التی اجتاحت العالم وقتها..."[28]. هکذا تنوعت الموضوعات واتسعت معها دائرة المناقشات ، کل یدلی بدلوه وفق رؤیته ومعلوماته وما توصلت إلیه قراءاته ، والأستاذ شکری یصوب ویوجه ویعدل یقول،السارد"تتابعت تعلیقاتهم وترکتهم یتکلمون قلیلا وأنا أتدخل بین الحین والآخر مصححا کلمة أو معلومة."[29] ویعید سرد التاریخ من خلال سیرته الذاتیة وما مر به من حکایات وأحداث مقدما للمکتبة العربیة روایة تحمل فی طیاتها نصا تعلیمیا فی توضیح أفکار مسبقة ، لایغیب عنها النقد للذات وللمجتمع ، بل إنه یسودها ویسیطرعلى أجزاء کثیرة منها .

هناک موضوع استوقفنی وجعلت منه موضوعا رئیسا لهذا البحث وقد اقترحته إحدى الطالبات ذات الأصول المصریة ، والدیانة الإسلامیة ، ومحجبة یقول السارد" وثمانی فتیات بینهن واحدة سمراء غطت شعرها على الطریقة الإسلامیة"[30]،ویصفها فی موقع آخر" کما کان بینهم طالبة تحمل اسما عربیا- هی التی لفت شعرها بما یشبه الحجاب-قدرت أنها من بلدیاتی"[31]، اقترحت فادیة –التی تحاول التمسک بشرقیتها-موضوعا رآه الأستاذ شکری مستحیلا، یصف السارد ارتباکها قائلا:" ظهرت "فادیة"-مواطنتی-فی مدخل الغرفة . وقفت تعبث بأزرار حقیبة یدها فی ارتباک . طلبت منها بالعربیة أن تجلس فاختارت المقعد القریب من الباب... قالت إنها تفکر فی عقد مقارنة بین تاریخ مدینتی "القاهرة"و"سان فرانسیسکو"... هناک أوجه عدیدة للمقارنة".[32]

فی رد تلقائی و سریع دون تمهل أو ترو،عارض الأستاذ الجامعی موضوع المقارنة تلمیحا وتصریحا:" أشحت بیدی فی استهانة واستطردت: هذه مقارنة تصلح للصحف. فتاریخ المدینتین مختلف...ماذا لدیک؟ مدینة عریقة عمرها أکثر من ألف سنة قامت على أنقاض حضارة قدیمة عمرها عدة آلاف أخرى ...ومدینة حدیثة لا یزید عمرها عن قرنین.."[33] بید أن الرفض أو الاعتراض أو استبعاد أوجه المقارنة بین القاهرة وسان فرانسیسکو لم یفارق خیال ووعی الطالبة مصریة الأصل ؛ التی تنتمی أسریا للقاهرة، وجنسیة لأمریکا، وتعیش فی سان فرانسیسکو التی یقع بها مقر التدریس .

المقارنة :

تتوالى الصفحات فی حوارات ومناقشات فی موضوعات شتى بعضها یتعلق بالتاریخ الأمریکی ، والبعض الآخر بالتاریخ المصری القدیم والذی ترکز فی بعضه حول شخصیة حقیقیة هی الملکة حتشبسوت ؛صفاتها ،وسماتها، وسیاستها فی الحکم، ومصیرها الغامض" لکن مصیرها ظل لغزا فقد اختفت فجأة"[34] .

مع تنوع الموضوعات یتبادر إلى الذهن أن المقارنة التی اقترحتها الطالبة ذات الأصول المصریة ذهبت أدراج الریاح وطواها النسیان ، لنجدها تظهر فجأة فی الجزء رقم (18) الصفحة رقم(228) مع اختلاف طفیف " کنت قد طورت فکرة فادیة عن المقارنة بین تاریخ القاهرة وسان فرانسیسکو إلى عرض مستقل عن کل مدینة"[35]. انقسمت المقارنة لتتحول إلى رسم صورة لکل من القاهرة وسان فرانسیسکو بین کل من الطالبة المصریة الأصل تحت عنوان "قراءة المدینة" القاهرة " نموذجا" والأمریکیین  شیرلی ولاری. وقد تنوعت أوجه المقارنة بین النشأة والارتقاء والتطور لکل من المدینتین من خلال النواحی؛ التاریخیة،والاجتماعیة، والسیاسیة، والاقتصادیة، والعمرانیة .

البدایة : النشأة

لکل قراءة مفتاح یتناسب مع طبیعة المقروء عنه،ولکل صورة خطوط أولیة تمثل الإطار الذی یحوی تلک الصورة ویضمها بین جنباته. رغم التداخل والتشابک بین عناصر الصورة فیمکن الفصل بینها وتصنیفها لتتضح معالم الصورة لکل من القاهرة وسان فرانسیسکو ؛ ما یجمعهما ؟ وما یباعد بینهما ؟ . کلاهما قدیم قدم الإنسانیة ، وکلاهما تعرض لنکبات وغزوات خلفته أکثر صلابة وأشد عودا وأکثر خبرة . المدخل المناسب للقراءة ذکره صنع الله ابراهیم على لسان شیرلی الأمریکیة مفاداه أن " الاختراع ، الطموح الفردی ، الحلم بفرصة ثانیة ، إلی جذب المهاجرین من کل مکان وفرض علیهم التعایش ، ثم الحریة. بوسعنا أن نعتبر هذه السمات مدخلا مناسبا لقراءة المدینة مثلما کان التدین –حسب فادیة- هو المدخل بالنسبة لـ"القاهرة "[36].

القاهرة  :

 الدین والدنیا انهما یشکلان بدایة لکل من المدینتین فالقاهرة بنیت بین مقبرة (الأهرمات) ومسجد ( القلعة ) بینما سان فرانسیسکو کانت الحانات والمتاجر وفرص الربح والثراء . إضفاء لواقعیة ما یطرح ویقدم من معلومات – لا مجال للخیال فیها- جعل الطالبة تستشهد وتتبنى وجهة نظر المؤرخ المصری جمال حمدان فقالت :" إن القاهرة تمتد بین مجموعتین معماریتین: الأولى فرعونیة فی الغرب، تکونت حول الأهرمات، أضخم مقبرة فی العالم، والثانیة فی الشرق حول مسجد القلعة ذی القبة والمئذنتین الرفیعتین، ترکیتی الطراز، وبذلک دمغها التدین بطابعه"[37]. هل تمخضت العبارة التی تتردد دائما أن المصری متدین بطابعه عن تلک النشأة التی تمیز القاهرة عن غیرها من المدن ؟ لم تکن الثروات أو توافر الموارد الطبیعیة سببا جاذبا لکثیر من العناصر التی عمرت القاهرة ، بل کان هذا الطابع الدینی والذی دعمه نشأة المساجد وتنافس الحکام من ممالیک وعثمانیین فی بنائها حتى أطلق على القاهرة مدینة الألف مئذنة .

سان فرانسیسکو:

المسمى دینی[38]، والنشأة على ید مجموعة من المستوطنین الأسبان المسلحین. ویسبق هذا وذاک السکان الأصلیون للبلاد " الهنود الأهلون" ویصفهم "لاری " بأنهم" ربما عاصروا المصریین القدماء"[39]. لم یکن الأهلون على درجة من التقدم ، بل تمتعوا بالسلام الذاتی والقدرة على استقبال الآخر فی وداعة وبشاشة حتى أنهم "استقبلوا المستوطنین الأسبان المسلحین فی ذهول وخضعوا لهم بسهولة"[40]. تخلفت حضارتهم فلم یخلفوا وراءهم آثارا تدل علیهم وتذکر بهم ، واقتصروا على إنتاج ثقافة رقیقة موسیقیة وغیر حربیة ، امتدادا لإیمانهم بالتعایش السلمی . وقد توالت على سان فرانسیسکو عدة أجناس ؛ فرنسین ، إنجلیز، إسبان ، مکسیک سعیا وراء الذهب وحلم الثراء.وکما استُعبد سکان القاهرة ، استُعبد الأهلون وأکثر" کان یتم احتجاز الهنود فی حظائر أشبه بحظائر الکلاب لا یخرجون منها إلا للتغوط الجماعی فی حفر مفتوحة أو للعمل الإجباری"[41]وهکذا تحکم الوافدون فی أصحاب الأرض وتم القضاء علیهم ومحو قراهم وتقالیدهم . لم یکن لأصحاب الأرض من الشواهد الحضاریة التی تدل علیهم کما لسکان القاهرة ،الذین رغم کثرة الوافدین من الشرق والغرب صمدوا وبقوا ولم یتعرضوا للفناء والإبادة " الأهلون لیسوا إلا قطرة فی بحر من 120 ملیون إنسان فی أنحاء الولایات المتحدة تمت إبادتهم عن عمد فی جریمة لم یعرف التاریخ الإنسانی مثلها"[42].

جاءت أجناس وذهبت أجناس ، وبقیت کل من القاهرة وسان فرانسیسکو ترویان ما کان وتتهیآن لما سیکون من تطور ورقی وتقدم وإن تفاوتت وتیرته فی کلتیهما.

التطور : الاجتماعی الثقافی/ السوسیو ثقافی

القاهرة :

اهتم النص الروائی"أمریکانلی " بالعرض السوسیو ثقافی " أی الاجتماعی الثقافی من خلال رصده للطابع الثقافی الفکری لکل من المدینتین . وتتبدى تلک الصورة الثقافیة من خلال عرض مظاهر الحیاة الاجتماعیة فی القاهرة إذ تقول فادیة قی عرضها للحیاة المصریة داخل ذلک المجتمع العربی الکائن فی ذاکرتها ." القاهرة تعتبر أقدم مدینة فی العالم. صحیح أنها شیدت قبل ألف وأربعین سنة إلا أن موقعها کان دائما مرکزا لعاصمة مصر قبل ذلک بعدة ألاف من السنین " أی أن القاهرة ولدت عملاقة ، احتلت مکان الصدارة فی سلسلة المدن المصریة وکانت العاصمة ولم تستبدل بغیرها رغم مرور السنین .  ابناء القاهرة ومن سکنها من أجناس أخرى کان لهم نصیب من الوصف ، فتقر أن طوال خمسة قرون ونصف قرن سکن القاهرة سلالات من العبید(مغول وأرمن ویونانیین وایطالیین زصقلیین زبرابرة وسودانیین وترک وکرد وترکمان وشرکس )[43]. جمیع تلک الأجناس انصهرت فی بوتقة القاهرة لتشکل بعد ذلک الفرسان والأمراء الذین شیدوا حول القلعة مئات المآذن والقباب .

فی تطور القاهرة رصدت "فادیة " - لسان صنع الله الناطق- منعطفات ومحنیات شکلت تحدیات للمصریین منها الحملة الفرنسیة وکذلک القضاء على مشروع محمد علی " وکان محمد علی هو الذی قضى نهائیا على طبقة الممالیک بالمذبحة الشهیرة التی جرت فی القلعة ودشن المشروع التحدیثی الأول فی تاریخ مصر الحدیث فأقیمت المصانع والمدارس وأرسلت البعثات إلى الخارج . لکن هذا المشروع لم یقیض له النجاح إذ أجهضه الاستعمار الغربی"[44]. عرض "فادیة" الذی سیعادله بشکل ما عرض " شیرلی" لـ سان فرانسیسکو أثار التعجب والضحک من قوة وصلابة هذا الشعب فی التحمل والصمود واستکمال البناء رغم المعاناة " تدخل فرنون متعجبا: کیف تحمل المصریون کل هذا العذاب؟"[45]. الماضی البعید والصورة التی رسمتها فادیة لقدرة الشعب المصری جذبت اهتمام البقیة عندما تجلت لهم قدرة المصریین الفذة على الصبر والتحمل . صورة غیر مألوفة لهم عن شعوب تبعد عن بلادهم أمیال وأمیال ولا یرون منها إلا ما یحجب الحقیقة ویرسم صورة سلبیة لشعوب تستعذب العبودیة والخنوع ولا تسعى للحریة والارتقاء .

 ولاتزال الصورة تکتمل أرکانها فمع وصف الشعب بأنه قد عانى فی فترات کثیرة من الحکام وسطوتهم على المجتمع ، وتأثیرهم فی حیاة الأفراد الاجتماعیة ،إلا أن العهد الملکی اتسم بنظافة الشوارع وطابع الهدوء العام والروح الکلاسیکیة الهادئة للفرد المصری ووجود للطبقة المتوسطة . وعلى الرغم من بذخ أبناء محمد علی وبنائهم للقصور"استأنفت فادیة العرض فوصفت أحوال القاهرة فی عهد محمد علی وکیف تـأثرت بمشاریعه ، وبدأت تخرج من أسر الحواری المظلمة والقذرة . ووضع حفیده إسماعیل مشروعا شاملا لتطویر المدینة على غرار النموذج الغربی"[46].

 الانتقال من القدیم إلى الحدیث فی عرض الصورة جاء مع العهد الجمهوری ، ومحاولة جمال عبد الناصر تحقیق مبدأ العدالة الاجتماعیة التی نادى بها مکنت الفلاح من تملک الأراضی ومقاسمة الأغنیاء الأثریاء الذین تحددت ملکیتهم فی عدد معین ووصلت ثمرات البلاد لمستحقیها وبنیت دور السینما وأنشئت المسارح واهتم بها جمال عبد الناصر لأنه کان قارئا ومتابعا للفن الثقافی بمختلف مجالاته ؛ السینمائیة والمسرحیة وأصبحت هناک وسائل راقیة اجتماعیة لتشکیل ثقافة الفرد وشغل وقته "انتقلت بعد ذلک إلى تطور القاهرة فی العهد الجمهوری. قالت إن الثورة بادرت بوضع خطط متکاملة للتنمیة الشاملة على النموذج الغربی"[47]. التوجه الغربی مرة أخرى وأخرى منذ عهد محمد علی وحتى عهد عبد الناصر ، لم یکن هناک نموذجا مستقلا تسیر على هدیه البلاد فیکون قومیا خالصا لا شرقی ولا غربی ویتفق "وتمتع البلاد وللمرة الأولى منذ عهد الفراعنة بالاستقلال الکامل فی ظل حاکم مصری من أبنائها"[48] لکن الحروب التی خاضها عبد الناصر کانت قاصمة للاقتصاد المصری وسببا رئیسا فی بدایة حالة الفقر الاجتماعی "ولم ترحب إسرائیل بأن تصبح مصر قوة صناعیة فشنت الحرب علیها واضطرت البلاد إلى تأجیل کثیر من المشروعات السکنیة والخدمیة"[49]. تحد جدید وإجهاض آخر لمشروع التطویر وانتقال البلاد إلى عصر التقدم فی منتصف القرن العشرین . کانت هزیمة 1967م دافعا لهجرات توالت على القاهرة " کانت القاهرة هی وجهتهم  المفصلة لأن کل شیء مرکز بها : نصف الکم الصناعی الوطنی وربع أطباء البلاد وأکثر من ثلث صیدلیاته وقرابة الثلثین من مجموع وسائل النقل والمواصلات السلکیة واللاسلکیة و التلیفزیون ودورالسینما الراقیة والمسارح "[50]

بعد عصر الانفتاح الذی أرساه السادات ضاعت الطبقة الوسطى(رمانة المیزان فی المجتمع کوسیط بین طبقتین) وزادت الفجوات بین الطبقات الاجتماعیة وضاعت الحقوق وبدأت حیاة العشوائیات  والنوم على الأرصفة وضیاع الخدمات بالمرور والصحة والإسکان ومختلف المرافق الاجتماعیة العامة واتسخت الشوارع وسادت ثقافة القبح والسلوک العنیف وارتفعت معدلات الجریمة وافتراش الأطفال لأرصفة الشوارع وغیرها من الأوضاع الممیتة . إن ما أوصل القاهرة إلى ذلک الحال هو ما قررته الطالبة فی وصفها التخلی "عن أی خطط استراتیجیة للتنمیة فی صالح المکاسب الآنیة، فأوصلت القاهرة إلى مشهدها الحالی : "مدینة صاخبة لا تهدأ بالنهار أو اللیل یبیت بها قرابة 13 ملیونا من القاطنین یصبحون بالنهار 16 ملیونا یشکلون قرابة ربع سکان البلاد، یتحرکون مکتئبین وسط السیارات المتلاحمة والباصات المکدسة والزمامیر الحادة"[51].

 

حول رؤیة القاهرة وحقیقتها:

 وإن اتفق الوصف مع الواقع ، هل شاهدت فادیة المصریة الأصل ما وصفته رؤیة عین؟ الإجابة : لا ، فهی لم تذکر أنها زارت القاهرة على الإطلاق ؛ ولدت ونشأت فی أمریکا ، استمدت معلوماتها من کتب الرحالة الذین زاروا البلاد وکتبوا انطبعاتهم عن القاهرة ومدى صدقهم أم کذبهم فیما دونوا. استقاء الطالبة معلوماتها عن القاهرة جاء من قراءتها کتب المؤرخین أمثال جمال حمدان وصادق سعد وغیرهم ممن ورد ذکرهم فی  الروایة فاختفت لدیها الصیغ المرضیة نحو سمعت ، یقولون ، زعموا ... وهذا ما أکسب حدیثها القوة حتى نالت إعجاب البروفیسور شکری قائلاً :" لم أکن متفقا معها تماما فی هذه النتیجة"[52] أی ما توصلت إلیه فی خاتمة قراءتها،ثم أردف قائلا:" إن جغرافیة القاهرة و تاریخها یؤکدان أن التدین هو سمتها الأساسیة ، وأن التغریب أدى إلى فشل مشروعات التحدیث "[53]... "ولم یحل دون إعجابی بالجهد الذی بذلته واستفادتها من الإرشادات التی قدمتها إلیها"[54].

 دراسة الطالبة تشیر إلى أهمیة کتابة التاریخ من قبل المؤرخین مع توخی القدر الأکبر من الحقائق دون تهویل أو تهوین ، دون أهواء أو میول ذاتیة ،هذا وحده کفیل بتحقیق المصداقیة والتی تنتقل من جیل إلى جیل اعتمادا على ما یکتب وینقل لهم .

سان فرانسیسکو :

النشأة :

التباعد الجغرافی ما بین القاهرة وسان فرانسیسکو ربما یکون باعثا على رفض فکرة التلاقی بین المدینتین، بید أن نظرة واحدة إلى علم سان فرانسیسکو تبدد هذه الفکرة بل تدعمها وتقویها. یقول السارد:"علم سان فرانسیسکو وخاتمها یصوران طائر العنقاء الخرافی المصری منبثقا من النار"[55].إن شباب وحیویة وتجدد تلک المدینة أرید له أن یکون مثل العنقاء التی تقول الأسطورة "إنه بعد مضی خمسمئة سنة على العنقاء تحرق نفسها فی کومة الحطب ، ومن الرماد المتخلف تحیا من جدید ویتجدد شبابها لتعیش مرة أخرى"[56]. إن ما تعرضت له کل من القاهرة وسان فرانسیکو وقد تمثلت فی العدوان العسکری على القاهرة منذ عهد الفراعنة انتهاء بالاحتلال الإنجلیزی عام 1882م ، وکذلک ما تعرضت له سان فرانسیسکو من کوارث عدة منذ إنشائها عام1776م " فإلى جانب الزلازل التی وقعت أحداثا منذ عشر سنوات فقط. احترقت المدینة عدة مرات ... هناک أیضا الأزمات الاقتصادیة التی بلغت حد الانهیار عدة مرات"[57]. التشابه والتقارب فی توالی الکوارث والأزمات ثم النهوض ومعاودة الحیاة أکثر صمودا وقوة قربا بین قاهرة فادیة وسان فرانسیسکو شیرلی  ، بید أن درجات النهوض تتفاوت بین المدینتین ، فالقاهرة قوبل مشروعها النهضوی بالعدوان العسکری الذی تسبب فی حدوث خسائر اقتصادیة واجتماعیة کبیرة ، أما سان فرانسیسکو فقد اتفقت سیرتها وطائر العنقاء فمع وبعد الکوارث اکتشف الذهب ثم الفضة وتأهلت المدینة للثورة الصناعیة.

التطور:

 " شرحت شیرلی کیف وجدت الثورة الصناعیة التی عرفتها انجلترا فی القرن الثامن عشر أرضا خصبة فی الولایات الأمریکیة... وتحدثت عن ازدهار سان فرانسیسکو فی ظل النظام الأمریکی. وکیف صارت الآن من أحدث المدن وأکثرها تقدما تکنولوجیا."[58]الطموح وحلم الثراء والإمکانات الجاذبة کانت رؤیة شیرلی للمدینة ، لکن للصورة المشرقة وجه آخر أکثر قتامة حاولت شیرلی جاهدة أن تتلافاه . الوجه الآخر للصورة رسمه  مواطنها "لاری" وکان سمته الممیزة : الطمع ، والعنف ، والشراسة فی التعامل مع الآخر ، أعنی أصحاب الأرض من الهنود.[59]

ماأرادته شیرلی هو رسم صورة تتمیز إلى حد کبیر بالإیجابیة مقابل ماعرضته فادیة من سلبیات، أی أنها أرادت طمس کثیر من الحقائق فرسمت إطارا خارجیا سطحیا ، أفسره بالتصالح مع النفس بذکر ما ینفعها ضد ما یربک حساباتها ، إنه الحلم الأمریکی الذی یصدر صورة أمریکا القویة، الفتیة ،الغنیة ،المهیمنة صاحبة الکلمة العلیا والأولى فی العالم . الاختلاف العرقی بین الأمریکین خلق لدیهم لونا من التشابک والتنازع / التنوع فی الأفکار، ولقد أکسب بعضا منهم القدرة على مواجهة الحقائق بعیدا عن الأوهام . شیرلی لم تکن واهمة بل کانت تنتقی ما ترسم من الصورة ، ولأن للصورة وجه آخر ، ولأن هناک حریة الرأی والرأی المقابل نجد الصورة المقابلة لدى مواطنها " لاری ".

تتجلى ملامح الجانب الآخر من الصورة فی الحدیث عن الصورة الخفیة للظلم الاجتماعی بمدینة سان فرانسیسکو التی تعد أیقونة الحضور الأمریکی فی النص الروائی ، فیما یظن کثیرون أن المجتمع الأمریکی فردوس على الأرض وهذا غیر صحیح . تصدمنا، وتقرع آذاننا حکایات عن المرتبات الضئیلة للعمال وعدم وجود تأمینات لإعاشتهم وحمایتهم ، وصرف الأمریکان حوالی 70% من المرتبات على المساکن التی یتنقلون منها سدى ثم تؤویهم الأرصفة آخر الأمر، وارتفاع معدلات البطالة والحالة المتردیة للأمهات اللاتی بلا أزواج فیترکن أبناءهم فریسة للشوارع یسرقون ثم یدمنون المخدرات وعندما تکبر فتیات الشوارع یشتغلن بالدعارة. وهذا انعکاس لترد اجتماعی آخر وهو التفکک الأسرى والانحلال الأخلاقی والتحرر الذی یزیده الفقر سوءا .

الصورة القاتمة ربما تبدو غریبة علینا حین نطابق بین الأصل والصورة . فالصورة تمثل انعکاسا لأصل موجود " وتدور الصورة مع أصلها وجودا وعدما، فإن وجدت کان الأصل موجودا ، وإن انعدمت أو غابت کان الأصل منعدما أو غائبا"[60]. الجانب الآخر إذا تصحیح لصورة مسبقة عن عالم مثالی لا اعوجاج فیه ، وما ورد على لسان المواطن الأمریکی " لاری" هو رؤیة " تعتمد على عوامل عقلیة وأخرى مادیة؛ موضوعیة وذاتیة"[61].

الحوار:

  رأی ورأی آخر ، صورة مشرقة وأخرى قاتمة ، تم تداولها فی سیمنار کما وصفته آنفا حل علیه مناخ الحریة الفکریة هل مرد ذلک أن هناک عددا من الأمریکین مقابل طالبة وحیدة ذات أصول مصریة ؟ الإجابة : بلا ، فهناک من یدیر الحلقة وهو الأستاذ المصری ، وهو قادر على التدخل بالحذف أو الإضافة . إلا أن مرجعیته وما خلفه وراءه من مشاکل وصعوبات جعلته یقف على مسافة واحدة من الجمیع . وترکزت ردوده وتعلیقاته فی طریقین، أحدهما فی العلن أی الدیالوج/ الحوار الدائر بین جمیع الأطراف  یحلل ویبرر ویوضح بعضا من خطوط الصورة ، والآخر مونولوجا/ داخلیا ؛ حیث تنازعته أفکار شتی عن القاهرة وما لاقاه فیها وخلفه وراءه من صعوبات ومشاکل . ونمیز الطریقین من خلال خطوط الروایة فقد کتب کل منهما بطریقة مختلفة عن الآخر للتمییز بینهما فالعلن کتب ببنط کبیر والداخلی ببنط أصغر .

قضایا طارئة:

فی خلاف حول مشروعیة الحجاب، یقول السارد" الموضوع المفضل لدیهم جمیعا "[62] والذی استنکرته الأمریکیة شیرلی کلون من ألوان الهیمنة الأمریکیة على معتقدات ومعتنقات الآخرین: " لکن ما لا أفهمه أو أستسیغه هو الحجاب."[63]. لتنبری فادیة المسلمة المحجبة فی حدة لا تخطئها العین قائلة : "هو أحد فروض الدین الإسلامی . نصت علیه آیة فی القرآن"[64]. جاء تدخل الأستاذ شکری علنا؛ وأشیر هنا،أن الانتماء الدینی له لم یتضح طوال الروایة فاسمه لم یذکر إلا بعد مرور عدد کبیر من الصفحات وحین ذکر جاء مجردا من أیة ألقاب أسریة ؛ مسلم ، مسیحی ، لا نعرف حتى کیفیة تصنیف حدیثه ، فهو مثلا  لا یتفق ومسمى الفتح الإسلامی لمصر ویجعل له من الأسباب الاقتصادیة قبل الدینیة ، کما یتبدى لنا موقفه من الحجاب ومشروعیته "رفعت یدی معترضا وقلت: هذه قضیة لم تحسم . فکثیر من العلماء یؤکدون أن التعالیم الإسلامیة الأساسیة لا تنص علیه وفی رأی أنه ظاهرة تاریخیة لا دینیة ... وطالبتهم بقراءة مؤلفات المفکرة المغریبیة المعاصرة فاطمة المرنیسی وخاصة کتابها الذی ذهبت فیه إلى أن الآیة التی أشارت إلى الحجاب نزلت فی ظرف خاص ..."[65]. بل إنه یبدی عداء خفیا لصحابة رسول الله-صلى الله علیه وسلم- فی وصفهم بالمتشددین فی تلقیهم لآیة الحجاب وکأنهم فی حالة ترصد وتنمر بالمرأة المسلمة " کان الهدف من الآیة إذن هو حمایة نساء الرسول وتلقت دعما من المتشددین الصارمین أمثال "عمر بن الخطاب"وغالبیة الذکور الذین تعرضت مکانتهم القبلیة والاقتصادیة ثم الذکوریة للتهدید"[66]

ولا أدری أی تهدید یشکله حجاب المرأة للمکانة القبلیة، والاقتصادیة ، والذکوریة للرعیل الأول من الصحابة حتى یصبوا جام غضبهم على المرأة کما یری الأستاذ شکری ، أو کما یرى صنع الله إبراهیم الذی یعطی للحجاب بعدا جدیدا غیر مألوف ؛ حیث جعله وسیلة من وسائل الاحتجاج الاجتماعی الصامت مقابل ما یتعرض له المجتمع من قهر، وتکبیل للحریات ، وتکمیم للأفواه – وهو ماتعرض له على المستوى الشخصی- فکان الحجاب المعنوی ساترا یتمترس خلفه أفراد المجتمع رجالا ونساء" وقلت الحقیقة أن الرجل المعاصر هو الذی تحجب! فقد اختار الانسحاب لنفسه ولأسرته من حیاة معقدة ومربکة ، والارتداد إلى صورة عن ماضٍ أکثر بساطة وأیسر على الفهم... وبالنسبة للمرأة هو أکثر هذه الأشکال أمانا وقبولا من المجتمع ..."[67]. مناقشة آراء صنع الله إبراهیم لیست موضوع البحث والتی تستأهل أن یفرد لها بحث کامل لمناقشتها وتفنیدها حیث تتبدى من آرائه التی ذکرها وکاد أن یمررها على أنها الحقیقة دون غیرها فی سیمنار أغلبیته من غیر المسلمین . أشیر فقط إلى جزئیة مااستحقت منه الانفعال - وهو الذی غلب علیه طابع الهدوء کما وصفت حدیثه مسبقا- فی حدیثه عن التاریخ المصری فی ظل الاحتلال الرومانی وما واکبه من سلب ونهب من الرومان وکهنة آمون یقول" کان الیهود مشارکین فی الاستغلال کما أن إلههم کان قاصرا علیهم وحدهم ویبدو متعطشا للحرب والدماء فی حین أن المسیح ومن بعده محمد. قاطعتنی فادیة بنبرة لوم: صلى الله علیه وسلم" قد یمر الموقف مع شخصیة أخرى بتدارک الأمر فتصلی وتسلم دون مناقشة فالأمر بالصلاة والسلام واضحا لامناقشة ولا جدال فیه. إلا أن الأستاذ شکری/ صنع الله إبراهیم یبادرها قائلا ومجادلا:" بصی. هذه عبارة لازمة فی الخطاب الدینی لکن خطابنا هنا علمی بحت.... استأنفت الحدیث خاطب المسیح ومحمد البشریة..."[68]. اللهجة والأسلوب والإصرار یؤکدان قناعاته وأفکاره التی یؤمن بها بعیدا عن الثوابت المتعارف علیها .

وفی تدعیم لتردی الحالة الاقتصادیة والمجتمعیة للقاهرة کما ورد فی دراسة فادیة  ، وما تعرض له المصریون من صعوبات ،"وتحملوا من تضحیات ، غیر ملتفت لما سلب منه وما فرض علیه من قیود فی إبداءالرأی یعلق قائلا " لکن الأعوام تمر لا تحمل معها سوى الوعد بمزید من المعاناة..."[69]

هذا عما دار من تعلیقات علنیة ، فهناک مایقابلها من تعلیقات تدور بداخله دون إبدائها . فی حدیث فادیة عن الأزمات الاجتماعیة والفقر... والتناقض الکبیر بین أبناء الشعب الواحد" بین أبراج سکنیة ضخمة بألوان قبیحة تعلوها الدیشات. تطل على مقابر سکنیة تبرز منها هوائیات التلیفزیون ... ویبدو المرور فی حالة فوضى وشرطته فی عجز کامل وهم یحاولون إیقاف السیارات بأیدیهم بعد أن فشلت المصابیح الحمراء فی ذلک."[70] هی تتحدث عن صورة لم ترها بینما الأستاذ شکری والقادم من القاهرة ، والصورة غیر غریبة عنه بل قریبة العهد به لا یعلق بکلمة ولکنه یقابلها بابتسامة " ابتسمت وأنا أتصورها تعوم فی شوارع القاهرة بعد کالیفورنیا ذات المرور المنضبط وحقوق المشاة."[71]

من هنا وهناک : بین القاهرة وسان فرانسیسکو:

تشابهت کل من القاهرة وسان فرانسیسکو فی ارتباطهما بطائر العقاب . القاهرة التی بنیت بأمر من الخلیفة " المعز لدین الله" عام 969ه لقائده جوهر الصقلی "ببناء مدینة تقهر الدنیا"[72]، وقد أصاب فی تسمیته ، فقد تتابع علیها الغزاة والمتسلطون من جمیع الأنحاء و الأجناس ، ولم یتمکن أحد من قهرها أو القضاء علیها وتحویل تبعیتها" وفیما یبدو لم یؤثر ذلک فی قدرتها على الاستمرار والنمو حتى أصبحت واحدة من أکبر مدن العالم".[73]

سان فرانسیسکو کذلک منذ إنشائها فی سنة 1776م تعرضت لکوارث عدیدة لکنها تنهض من الرماد وقد تجددت تماما مثل طائر العنقاء . کما تتابع علیها الغزاة من جمیع الأنحاء؛ أسبانیا ، انجلترا ، فرنسا ، ولم یؤثر ذلک فی قدرتها أیضا على الاستمرار حتى أصبحت واحدة من کبریات مدن العالم ثراء وقوة .

ویختلفان فی قدرة کل منهما قدیما على البقاء دون الذوبان فی الآخر " المصریون و الهنود الحمر (السکان الأصلیین لسان فرانسیسکو) تعرضوا للغزو الخارجی. لکن المصریین- فیما یبدو- حافظوا على أنفسهم کتلة متماسکة بینما تم إفناء الهنود الحمر . فلماذا؟"[74]سؤال طرحته دوریس الأمریکیة کنتیجة ختامیة للدراسة التی قدمت حول القاهرة وسان فرانسیسکو . وتکمن الإجابة فی خاصیة کل شعب منهما فقد تمتعت القاهرة / المصریون بخاصیة الاستقرار حول نهر النیل وبناء مجتمع متماسک ، ومتلاحم . بینما توزع الهنود الحمر على مائة شعب وأمة لا یجمع بینهم شیء أو یربط بینهم رابط . لقد کانوا جزرا منعزلة لا یدرکون قیمة ما یملکون خاصة الأرض وما بباطنها من ثروات جذبث المغامرین والمستکشفین ومهدت لهم السبیل لإبادتهم والقضاء علیهم[75] .

حرص صنع الله ابراهیم على رصد الصورة والمقابل لها فی محاولة للتنفیس عن غضبه مما حدث له فی الحیاة الواقعیة [76]. استثمر کل لقطة لاحت له فی سان فرانسیسکو ، لیستدعی ما یقابلها فی القاهرة . مع الصفحات الأولى یستدعی فوضى المرور فی القاهرة " غالبت رغبة مصریة صمیمة فی اقتحام المخاطر وکسر  کل ممنوع وانتظرت حتى مرت السیارات القلیلة . تأکدت من خلو الشارع من السیارات فعبرته دون أن أحفل بالإشارة الحمراء"[77].النظام مقابل اللا نظام هذا مااختمر فی ذهنیته من وعن القاهرة .

بعیدا عن المرور هناک لقطة المکتبة وحسن المعاملة مع القراء" توقفت أمام حانوت کبیر للصحف والخردوات... ولجت الحانوت وطفت بأرجائه . ثمة رواد قلیلون یقلبون المجلات والصحف بل یقرؤنها کاملة دون أن یشتروا ودون أن ینهرهم أحد. تذکرت مکتبة "مدبولی"الشهیرة وسط القاهرة حیث یقف اثنان من صبیته أمامها إلى جوار الصحف والمجلات المبسوطة على الأرض . ویصیحان بلهجة تهدید" أیوه!"إذا ما تلکأ أحد أمامها أو هم بتناولها"[78]. ثقافة متاحة للجمیع . وثقافة تطلب مقدرة مادیة للحصول علیها وإلا التجرد منها ؛ حیث الأوضاع لا تسمح برفاهیة القراءة .

بعیدا عن هذا وذاک توافر مشهد یجمع بین القاهرة وسان فرانسیسکو، لقد تساوت المدینتان فی التعامل مع صحة المواطن والوجبات السریعة . المکسب الذی تحققه تلک المطاعم هنا وهناک هو الهدف الأسمى والمنشود " انبعثت روائح الأکل من المطاعم الصغیرة التی تمتلئ بالطلبة الجالسین قرب النوافذ یلتهمون أطباق السلاطة. وشممت رائحة زیت القلی المتکرر الاستخدام الذی عهدنه فی شوارع القاهرة أمام محلات الطعمیة"[79].

تلک المشاهد المختزنة فی الذاکرة والتی تختزل الوطن فی لقطات سریعة وعابرة لم تستمر طویلا حیث تفرغ الأستاذ شکری تماما فی ذکریاته النسائیة -والتی وجدها جاذبة لحضور و انتباه الطلاب- وکذلک قراءاته التاریخیة التی شکلت عقلیته کدارس ومحاضر للتاریخ  . فجعل یواصل رحلة البحث عن النفس و المرأة ، فیکشف لنا المسکوت عنه من خفایا الحیاة . تلک الأحداث التی جعلها محورا لحدیثه " لیست شیئا موروثا لدى الإنسان ، وإنما یتشکل خلال التفاعل مع البیئة التی یعیش فیها ابتداء من الطفولة وعبر مراحل النمو المختلفة. کما أن الوعی بالذات یبدأ ضیقا عند بدایة حیاته ، وینمو ویتطور باتساع البیئة التی یتعامل بها  ومن خلال الخبرات الجزئیة و المواقف التی یمر بهــا الفرد أثناء محاولته للتکیف مــع البیئة المحیطــة به "[80]. اقتحام التابو والحدیث عن المسکوت عنه ، والخوض فی موضوعات ما کان لیفعلها فی جامعته الأصلیة "هذه جامعة عریقة فی التقالید الدیمقراطیة. وأنت لمست بنفسک أنک یمکنک أن تقول أشیاء هنا لا تجرؤ على الإشارة إلیها فی مصر"[81]. لعب صنع الله إبراهیم دور شهرزاد فی روایة مغامراته النسائیة  فی البوح بما بالإمکان وکتمان مالا یجب الإعلان عنه ، منتقیا حکایاته مازجا إیاها بالشغف والإثارة مع قدرة فائقة وبراعة فی التملص والتوقف عن الکلام .

خاتمة:

عقب هذه الرحلة ورصد ملامح الصورة التی رسمها صنع الله إبراهیم فی روایة " أمریکانلی"ومعرفة طاقاتها الدلالیة، وأبعادها الجمالیة فی رسم صورة للذات والآخر متمثلة ومختزلة فی مدینتی القاهرة وسان فرانسیسکو، یمکن الوقوف على أبرز النتائج التی توصلت إلیها القراءة على النحو التالی :

  • الروایة من بدایاتها إلى نهایتها ترجمة لذلک العنوان المکتنز والمکثف ، کیف تحول المجتع الشرقی إلى أمریکانلی ، و تحول الروائی / السارد إلى أمری کان لی .
  • حرص صنع الله ابراهیم فی روایته "أمریکانلی" على جعل الذات مرکزا للنص  ومحورا للانطلاق السردی، محملة بالأبعاد التی تمیزها عن غیرها : مادیا ومعنویا؛ جسدیا، ونفسیا، وثقافیا، واجتماعیا، وتاریخیا. ورد ذلک فی موضعین وکأنه یؤکد على أهمیته وتفرده بتلک الحلقة البحثیة :"إن حلقتنا قد تبدو غیر مألوفة لأن موضوعها لیس حلقة معینة فی التاریخ أو قضیة من قضایاه الشائکة وإنما الموضوع هو التاریخ الشخصی للمحاضر." [82]وکأنه وطن ذاته ، وما یتبع تلک القناعة من کتابة تاریخ الوطن وهذا ما یفعله ویؤکده :"أحب أن ألفت نظرکم مرة أخرى إلى أن الهدف من هذا العرض ذی الطابع الذاتی هو تبیان العوامل المختلفة التی ساهمت فی تکوین مؤرخ محدد"[83].  لم یکن الغرض مجرد سیرة ذاتیة فتلک لا تهم أحدا غیر صاحبها ، بید أن تاریخ الوطن یسترعی انتباه الآخرین مما " یتیح للطالب التعرف على عدید من القضایا التاریخیة وخاصة المتعلقة بمصر والعالم العربی ، ویدربه على البحث"[84]. وقد تحقق له ما أراد فیما قُدم من أوراق بحثیة ونخص بالذکر الدراسة التی قدمت حول القاهرة وسان فرانسیسکو .
  • مما یعاب على النص تعدی الإشاره للجنس ؛ کما کانت فى أغلب روایات صنع الله ابراهیم من التلمیح الى التصریح الفج والممقوت فی آن واحد ..  فقد استغرق فی ذکر مغامراته الجنسیة وکأنها الغرض من الحلقة البحثیة . لم یأخذ الجنس والاشاره له کعامل مساعد او جانبی فى الروایه لیظهر ما خفی من أحداث تاریخیة لـبلد معین أو نمط المعیشة فیها .. بل أصبح الجنس عامود الروایة الأساسی ینهار بإغفاله له أو السکوت عنه وإن کنت شعرت بحرجه فی بعض المواقف فانصرف من العلن إلى الإضمار.
  • تتطلب قراءة الروایة ترکیزا تاما حتى لا تتفلت خیوطها . کثرة الموضوعات المتناولة وما صاحبها من تفسیرات هامشیة جعلت قراءة الروایة غایة فی الصعوبة بل تستلزم إعادة القراءة أکثر من مرة والتقلب بین صفحاتها لاستعادة المعلومة وضم القطع إلى بعضها بعضا لتحصل الفائدة و المنفعة والمتعة  .
  •  تحتوی الروایة على حقائق ومستندات توثیقیة تأتی فی شکل تحضیرات یقوم بها الطلبة ، أو هوامش یدعم المؤلف بها مسروداته ، کما تلتصق الروایة بالواقع بشکل ملحوظ سواء فی حبکتها الروائیة أو شخصیاتها أو أحداثها ومشکلاتها الرئیسیة ، فهی تتحدث عن بلدان حقیقیة وشخصیات حقیقة وأحداث حقیقیة ، اختارها ، ورسمها بدقة متناهیة ، وبذکاء شدید،  لیس فیها من المتغیر الروائی إلا اسم الأستاذ الجامعی " شکری " ووظیفته " أستاذ تاریخ ".
    أخیرا : " أمریکانلی" جمع بین سمات الروایة ، وسمات الکتاب التاریخی یطرح قضایا عدة للتفکیر، مع الإشارة إلى المصادر الأساسیة للمعرفة لمن یرید الاستزادة.

 

 


المصادر

صنع الله ابراهیم - أمریکانلی – دار المستقبل العربی 2003ط1

المراجع

1-أحمد درویش – مدخل إلى الأدب العربی الحدیث -جامعة مصر الدولیة 2008م 

2-أحمد درویش تجلیات الفن القصصی بین الراوی والحاکی-لونجمان-القاهرة 2000م     

3-بییر برونیل – الوجیز فی الأدب المقارن-ترجمة غسان السید- مطبعة زید بن ثابت،دمشق 1999م

4-حسام الخطیب -آفاق الأدب المقارن –– دار الفکر المعاصر1992م

 5-حیدر محمود غیلان :

          - الأدب المقارن ومتطلبات العصر- مرکز عبادی للدراسات والنشر، صنعاء، 2006م.

          -الأدب المقارن ودور الأنساق الثقافیة فی تطور مفاهیمه واتجاهاته- مجلة دراسات یمنیة 2011م

6-درویش الشافعی-دلیل الحقل والمختبرات فی التحنیط وجمع العینات لطلبة المدارس والجامعات- دار الخلیج للنشر والتوزیع 2018 م

7-روحی الخالدی- تاریخ علم الأدب عند الأفرنج والعرب وفکتور هوکو - مطبعة السعادة ، القاهرة، 1912.

  8- سعید علوش-مدارس الأدب المقارن-دراسة منهجیة ،المرکز الثقافی العربی، بیروت،ط1، 1987م

9-شاکر عبد الحمید- الحلم والرمز والأسطورة-الهیئة المصریة العامة للکتاب 1998م

 10-عبد الحمید إبراهیم - الأدب المقارن من منظور الأدب العربی- نادی المنطقة الشرقیة الأدبی، الدمام، 1997م

11-عبد الحمید إبراهیم- الأدب المقارن من منظور الأدب العربی- نادی المنطقة الشرقیة الأدبی، الدمام، 1997م.
12-محمد غنیمی هلال - الأدب المقارن  دار نهضة مصر للطبع والنشر والنشر، القاهرة ، 1973م

13-عبد الرازق بلال- مدخل إلى عتبات النص- دار أفریقیا للنشر.الدار البضااء.المغرب 2000م

14-عبد المجید حنون-صورة الفرنسی فی الروایة المغربیة-دیوان المطبوعات الجامعیة،الجرزائر1986م

 15-فاطمة المرنیسی -الحریم السیاسی:النبی والنساء - ترجمة عن الفرنسیة عبد الهادی عباس – دار الحصاد .دمشق 1993

16-قحطان أحمد الظاهر-مفهوم الذات بین النظریة والتطبیق- دار وائل للنشر والتوزیع – الأردن ط1-2004

17-کلود بیشوا. أندریه م .روسو-الأدب المقارن –ترجمة :د أحمد عبد العزیز – مکتبة الأنجلو المصریة 2001م

18-ماجدة حمود- مقاربات تطبیقیة فی الأدب المقارن -دراسة من منشورات اتحاد الکتاب العرب.2000م

19- محمد صابر عید-سحر النص من أجنحة الشعر إلى أفق السرد، قراءات فی المدونة الإبداعیة لإبراهیم نصر- المؤسسة العربیة للدراسات والنشر.بیروت 2008م

 20-محمد عبد الرحمن شعیب - الأدب المقارن، مسائله ومباحثه - مطبعة دار التألیف ، القاهرة، 1969م
 21-محمد عجینة-موسوعة أساطیر العرب عن الجاهلیة ودلالاتها- دار الفارابی:بیروت 1994م

22 -محمود أبو رجب-فلسفة المرآة- دار المعارف،مصرط1 1994م

23-مصطفى عبد الغنی –الاتجاه الإنسانی فی الروایة العربیة- کتاب الریاض-مؤسسة الیمامة الصحفیة2006م

24-نذیر العظمة - فضاءات الأدب المقارن - الهیئة العامة السوریة للکتاب، دمشق،1962م
 مقالات :

1-    خلیل هنداوی - اشتغال العرب بالأدب المقارن - الرسالة 1936م

2-عبدالله ابراهیم  "أمریکانلی" بین السیرة والسرد التسجیلی  -الریاض2007م - العدد 14276

3- فخری أبو السعود- " فی الأدب المقارن :الأثر الأجنبی فی الأدبین العربی والأنجلیزی عام 1936: مجلة الرسالة ، العد201 السنة الخامسة ، مایو 1937م

4- یعقوب صروف-الانتقاد – المقتطف-السنة الثانیة عشر،الجزء3 دیسمبر 1887م

5-محمد کمال سرحان الذات والآخر فی روایة ( حب فی کوبنهاجن) مجلة جامعة الناصرة العدد السادس-المجلد الأول 2015م

6- نوافل یونس الحمدانی –الصورولوجیا فی السرد الروائی عند مهدی عیسى الصقر مجلة دیالی العدد55. 2012م

 

-        المواقع الإلیکترونیة:

                    موقع ویکبیدیا

 

 

 

 

 

 



[1] انظر:بییر برونیل – الوجیز فی الأدب المقارن-ترجمة غسان السید- مطبعة زید بن ثابت،دمشق 1999م - بتصرف

[2]  نوافل یونس الحمدانی –الصورولوجیا فی السرد الروائی عند مهدی عیسى الصقر مجلة دیالی.العددد 55- 2012م-  616- 642 . بتصرف

[3]  ماجدة حمود.- مقاربات تطبیقیة فی الأدب المقارن دراسة. من منشورات اتحاد الکتاب العرب.2000م ص 108-110 بتصرف

[4] صنع الله ابراهیم - أمریکانلی – دار المستقبل العربی 2003ط1 وللمؤلف روایات أخرى تم عنونتها طبقا والمکان الذی تدور فیه الأحداث ؛ بؤلین 69 – 2014م، بیروت بیروت/ الحب والحرب 2014م

[5]  5 د/ أحمد درویش – مدخل إلى الأدب العربی الحدیث -جامعة مصر الدولیة 2008م ص 23 . لمزید من المعلومات حول هذا الموضوع ینظر د/أحمد درویش: تجلیات الفن القصصی بین الراوی والحاکی-لونجمان-القاهرة 2000م     

[6]  المرجع السابق ص 47

[7]  کتب مقالة بعنوان (الانتقاد)1887م تناول فیها واقع النقد العربی وما یعانیه من تخلف والنقد الأفرنجی وما وصل إلیه من تطور انطلاقا من حرصه على أن یتعرف القارئ العربی على أنماط جدیدة فی النقد . المقتطف ، السنة الثانیة عشر ، الجزء (3) دیسمبر 1887،ص164 وینظر کذلک :الأدب المقارن ودور الأنساق الثقافیة - د.حیدر محمود غیلان . ص119

[8] ینظر إلى کتابه (تاریخ علم الأدب عند الإفرنج والعرب وفیکتورهوجو ) الذی صدرعام 1904 ، أول محاولة تطبیقیة فی الأدب المقارن فی الوطن العربی ، وذلک لأن المؤلف تناول فیه التأثیر والتأثر إلى جانب التشابه والتوازی بین عدد من الآداب ، متجاوزا الدراسات العربیة السابقة التی أهتمت بالتشابه والأختلاف . المرجع السابق ص 126

[9] ظهرت مقالة له بعنوان " فی الأدب المقارن :الأثر الأجنبی فی الأدبین العربی والأنجلیزی عام 1936: مجلة الرسالة ، العدد ( 201 ) السنة الخامسة ، مایو 1937م ، ص 772 – 775 . وله مقالة بعنوان:"اشتغال العرب بالأدب المقارن"مجلة الرسالة 1936م .

[10] رکز على الأبعاد التواصلیة ، والانسانیة بمایتلاءم مع التوجه النهضوی العربی الداعی الى الانفتاح على إداب العالم فینظر الیه على أنه وسیلة من وسائل الاتصال بین الأمم. رکز على الأبعاد التواصلیة ، والانسانیة بمایتلاءم مع التوجه النهضوی العربی الداعی الى الانفتاح على إداب العالم فینظر الیه على أنه وسیلة من وسائل الاتصال بین الأمم . اشتغال العرب بالأدب المقارن - خلیل هنداوی -الرسالة ، ص 938،وآفاق الأدب المقارن – د.حسام الخطیب – دار الفکر المعاصر1992م ص213

[11] شاکر عبد الحمید- الحلم والرمز والأسطورة-الهیئة المصریة العامة للکتاب 1998ص323

[12] محمد جلال 2003م

[13] د.محمد کمال سرحان الذات والآخر فی روایة ( حب فی کوبنهاجن) مجلة جامعة الناصرة العدد السادس-المجلد الأول 2015م ص 239

[14] د.علاء الأسوانی 2007م

[15]  د.مصطغى عبد الغنی –الاتجاه الإنسانی فی الروایة العربیة- کتاب الریاض-مؤسسة الیمامة الصحفیة2006م ص 131

[16]  د. أحمد درویش – مدخل إلى الأدب العربی الحدیث –ص 21

[17]  أمریکانلی ص 347

[18]  عبد الرازق بلال- مدخل إلى عتبات النص- دار أفریقیا للنشر.الدار البضااء.المغرب 2000م ص23

[19] محمد صابر عید-سحر النص من أجنحة الشعر إلى أفق السرد، قراءات فی المدونة الإبداعیة لإبراهیم نصر- المؤسسة العربیة للدراسات والنشر.بیروت 2008م ص 119

[20] أمریکانلی ص 180

[21] أمریکانلی ص 188

[22]  أمریکانلی ص 179

[23]  لم یذکر الاسم الا بعد مرور ثمانین صفحة  فی الجزء رقم 6  ص 81 فی لقاء عابر مع موظفة أمریکیة "حیتنی بابتسامة ودودة قائلة : أنا مسز کرین . وأنت البروفسور شکری ".

[24] لقد عمم صنع الله إبراهیم المشاهدات فی سان فرانسیسکو وکأنها الولایات المتحدة الأمریکیة بأکملها مثلما فعل أمیر الشعراء فی قوله : وطنی لو شغلت بالخلد عنه...نازعتنی إلیه فی الخلد نفسی . حیث عمم الجزء على الکل.

[25] أمریکانلی ص36

[26]  أمریکانلی ص 32

[27]  یعتبر أهم المؤرخین المعاصرین وهو بریطانی تجاوز الثمانین... أمریکانلی الهامش ص 34

[28]  الروایة ص 474

[29] الروایة ص 72

[30] الروایة ص 32

[31] الروایة ص 33

[32] الروایةص69

[33] اأمریکانلی ص69

[34] الروایة ص 105

[35] الروایة ص250

[36] أمریکانلی ص256

[37]  أمریکانلی ص 230

[38]  تعود التسمیة إلى فرنسیس الأسیزی أو (فرانسیسکو دی أسیس - فرانسیسکو بیرناردونی) ینحدر من مدینة أسیزی 26 سبتمبر 1181 - 3 أکتوبر 1226 لقب کقدیس فی الکنیسة الکاثولیکیة، جاء من عائلة تعمل فی التجارة ویعتقد بأن أمـه فرنسیة الاصل ووالده کان یسمى بیدرو بیرنادونی فی اسیس عرف بفرانسیسکو (تصغیر لکلمة فرنسی أو الفرنسی الصغیر). ویکبیدیا

[39] الروایة ص259

[40] السابق

[41] السابق

[42]  أمریکانلی ص260 من المعلومات فی موقع ویکبیدیا على شبکة الإنترنت أنه "" فی 28 مارس1776 وصل جنود إسبانیون من مکسیک وقد مات کثیر من الهنود الأمریکیون من الأمراض التی جاءت مع الجنود.". بینما تذکر الروایة أن الإبادة کانت متعمدة حیث أهدى قائد الجیش البریطانی عام 1763بطاطین ملوثة بمیکروب الجدری لاستئصال هذا الجنس اللعین، حسب قوله وانتشر الوباء بین أربعة شعوب هندیة وأتى على أکثر من مائة ألف طفل وشیخ وامرأة وشاب . الروایة ص260

[43]  الروایة 231

[44] الروای 233

[45] السابق

[46]  الروایة 235

[47] أمریکانلی ص235

[48] السابق

[49]  السابق

[50] الروابة ص236

[51]  أمریکانلی ص236

[52] " اختتمت الطالبة  حدیثها بالنتیجة النهائیة التی توصلت إلیها. قالت إن جغرافیة القاهرة وتاریخها یؤکدان أن التدین هو سمتها الأساسیة، وأن التغریب أدى إلى فشل مشروعات التحدیث" الروایة ص237

[53] أملریکانلی ص237

[54]  الروایة 237

[55] الروایة 252 أسطورة طائر النار "العنقاء، الفینکس" من الأساطیر الشهیرة فى العالم، وهو طائر طویل العنق ولذلک أطلق علیه العرب کلمة "عنقاء" أما کلمة الفینکس فهی یونانیة الأصل، و تعنی نوعا معینا من النخیل.  نسبت أسطورة طائر النار إلى المصریین القدماء لأن حضارتهم مرتبطة بفکرة الأبدیة، وکان یتمیز هذا الطائر بالجمال والقوة، وکان شبیة بالنسر الرائع المظهر یکسوة ریشا ذهبیاً. وأکد کثیر من المشاهیر القدماء أنهم رأوه، وتروى الأساطیر القدیمة إن العنقاء یعیش 500 سنة وعند أقترب ساعة موته یعمد إلى إقامة عشّه من أغصان أشجار التوابل، ومن ثم یضرم فی العش النار التی یحترق هو فی لهیبها، وبعد مرور بعد الوقت على عملیة الانتحار تلک ینهض من بین الرماد طائر عنقاء جدید. أسطورة طائر النار کانت رمز لفکرة البعث بعد الموت ولذلک ارتبطت بقدماء المصریین –شبکة الإنترنت –ویکیبیدیا . وینظر أیضا کتاب : دلیل الحقل والمختبرات فی التحنیط وجمع العینات لطلبة المدارس والجامعات- درویش الشافعی- دار الخلیج للنشر والتوزیع 2018 وقد ذکر أن الطائر " یرمز إلى ولادة الشمس عند بزوغ الفجر " ص 201

[56] موسوعة أساطیر العرب عن الجاهلیة ودلالاتها- محمد عجینة- دار الفارابی:بیروت 1994م ص 336-340

[57]  أمریکانلی ص253

[58] أمریکانلی ص254

[59] الروایة ص 256-258 وقد دار حدیثه حول استعراض عملیات الحرق والسرقة والاستلاب التی قام بها الوافدون وانتهت بالقضاء علیهم . کما أشار فی الهامش إلى کتاب یتحدث عن ذلک الأمروهو: الأوبئة والتاریخ : المرض والسلطة والامبریالیة –شلدون واتس. جامعة ییل 1998م

[60] محمود أبو رجب-فلسفة المرآة- دار المعارف،مصرط1 1994م ص 15

[61]  عبد المجید حنون-صورة الفرنسی فی الروایة المغربیة-دیوان المطبوعات الجامعیة،الجرزائر1986م ص82

[62]  أمریکانلی ص 237

[63] السابق نفسه

[64] السابق نفسه

[65]  الکتاب المشار إلیه هو : الحریم السیاسی  : النبی والنساء - فاطمة المرنیسی - ترجمة عن الفرنسیة عبد الهادی عباس – دار الحصاد .دمشق 1993

[66] أمریکانلی ص339

[67] أمریکانلی ص239

[68] أمریکانلی ص 205

[69] اأمریکانلی ص240

[70] أمریکانلی ص 236

[71]  أمریکانلی ص236

[72] أمریکانلی ص230

[73] السابق

[74] السابق 262

[75] أمریکانلی بتصرف لما ورد فی الصفحات من ص 252-260 کما ورد ذلک فی عرض أحد الطلاب "سابک " لروایة الکاتب الأمریکی المعاصر "المور لیونارد " عنوانها " أربعون جلدة إلا جلدة واحد" صدرت عام 1972م أی أنه شهد شاهد من أهلها .

[76] کان یساریًا فاعتقل فی عهد الرئیس الراحل جمال عبد الناصر لمدة خمسة أعوام (1964-1959- شبکة الإنترنت - ویکبیدیا

[77] أمریکانلی ص7

[78] أمریکانلی ص8

[79] أمریکانلی ص 30

[80] قحطان أحمد الظاهر-مفهوم الذات بین النظریة والتطبیق- دار وائل للنشر والتوزیع – الأردن ط1-2004 ص 47

[81] أمریکانلی ص 173

[82] أمریکانلی ص 33

[83] أمریکانلی ص 133

[84] أمریکانلی ص 34

المصادر
صنع الله ابراهیم - أمریکانلی – دار المستقبل العربی 2003ط1
المراجع
1-أحمد درویش – مدخل إلى الأدب العربی الحدیث -جامعة مصر الدولیة 2008م 
2-أحمد درویش تجلیات الفن القصصی بین الراوی والحاکی-لونجمان-القاهرة 2000م     
3-بییر برونیل – الوجیز فی الأدب المقارن-ترجمة غسان السید- مطبعة زید بن ثابت،دمشق 1999م
4-حسام الخطیب -آفاق الأدب المقارن –– دار الفکر المعاصر1992م
 5-حیدر محمود غیلان :
          - الأدب المقارن ومتطلبات العصر- مرکز عبادی للدراسات والنشر، صنعاء، 2006م.
          -الأدب المقارن ودور الأنساق الثقافیة فی تطور مفاهیمه واتجاهاته- مجلة دراسات یمنیة 2011م
6-درویش الشافعی-دلیل الحقل والمختبرات فی التحنیط وجمع العینات لطلبة المدارس والجامعات- دار الخلیج للنشر والتوزیع 2018 م
7-روحی الخالدی- تاریخ علم الأدب عند الأفرنج والعرب وفکتور هوکو - مطبعة السعادة ، القاهرة، 1912.
  8- سعید علوش-مدارس الأدب المقارن-دراسة منهجیة ،المرکز الثقافی العربی، بیروت،ط1، 1987م
9-شاکر عبد الحمید- الحلم والرمز والأسطورة-الهیئة المصریة العامة للکتاب 1998م
 10-عبد الحمید إبراهیم - الأدب المقارن من منظور الأدب العربی- نادی المنطقة الشرقیة الأدبی، الدمام، 1997م
11-عبد الحمید إبراهیم- الأدب المقارن من منظور الأدب العربی- نادی المنطقة الشرقیة الأدبی، الدمام، 1997م.
12-محمد غنیمی هلال - الأدب المقارن  دار نهضة مصر للطبع والنشر والنشر، القاهرة ، 1973م
13-عبد الرازق بلال- مدخل إلى عتبات النص- دار أفریقیا للنشر.الدار البضااء.المغرب 2000م
14-عبد المجید حنون-صورة الفرنسی فی الروایة المغربیة-دیوان المطبوعات الجامعیة،الجرزائر1986م
 15-فاطمة المرنیسی -الحریم السیاسی:النبی والنساء - ترجمة عن الفرنسیة عبد الهادی عباس – دار الحصاد .دمشق 1993
16-قحطان أحمد الظاهر-مفهوم الذات بین النظریة والتطبیق- دار وائل للنشر والتوزیع – الأردن ط1-2004
17-کلود بیشوا. أندریه م .روسو-الأدب المقارن –ترجمة :د أحمد عبد العزیز – مکتبة الأنجلو المصریة 2001م
18-ماجدة حمود- مقاربات تطبیقیة فی الأدب المقارن -دراسة من منشورات اتحاد الکتاب العرب.2000م
19- محمد صابر عید-سحر النص من أجنحة الشعر إلى أفق السرد، قراءات فی المدونة الإبداعیة لإبراهیم نصر- المؤسسة العربیة للدراسات والنشر.بیروت 2008م
 20-محمد عبد الرحمن شعیب - الأدب المقارن، مسائله ومباحثه - مطبعة دار التألیف ، القاهرة، 1969م
 21-محمد عجینة-موسوعة أساطیر العرب عن الجاهلیة ودلالاتها- دار الفارابی:بیروت 1994م
22 -محمود أبو رجب-فلسفة المرآة- دار المعارف،مصرط1 1994م
23-مصطفى عبد الغنی –الاتجاه الإنسانی فی الروایة العربیة- کتاب الریاض-مؤسسة الیمامة الصحفیة2006م
24-نذیر العظمة - فضاءات الأدب المقارن - الهیئة العامة السوریة للکتاب، دمشق،1962م
 مقالات :
1-    خلیل هنداوی - اشتغال العرب بالأدب المقارن - الرسالة 1936م
2-عبدالله ابراهیم  "أمریکانلی" بین السیرة والسرد التسجیلی  -الریاض2007م - العدد 14276
3- فخری أبو السعود- " فی الأدب المقارن :الأثر الأجنبی فی الأدبین العربی والأنجلیزی عام 1936: مجلة الرسالة ، العد201 السنة الخامسة ، مایو 1937م
4- یعقوب صروف-الانتقاد – المقتطف-السنة الثانیة عشر،الجزء3 دیسمبر 1887م
5-محمد کمال سرحان الذات والآخر فی روایة ( حب فی کوبنهاجن) مجلة جامعة الناصرة العدد السادس-المجلد الأول 2015م
6- نوافل یونس الحمدانی –الصورولوجیا فی السرد الروائی عند مهدی عیسى الصقر مجلة دیالی العدد55. 2012م
 
-        المواقع الإلیکترونیة:
                    موقع ویکبیدیا