البناء الفني للقصة عند إبراهيم ناجي "دراسة تحليلية نقدية"

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية التربية جامعة عين شمس

المستخلص

    تهدف هذه الدراسة إلى إبراز عناصر البناء الفني لإبراهيم ناجي فى مجموعته القصصية    " أدرکني يا دکتور "، والتى تضمنت عشرين قصة قصيرة بإلاضافة إلى ثلاث قصص مرفقة براوية زازا، وتعتمد هذه الدراسة على تحليل ونقد تلک القصص ؛ لتلقي الضوء على بعض الجوانب الفنية فى کل قصة من القصص المختارة، ونرى قدرة إبراهيم ناجي على حسن توظيف عناصر البناء الفني فى تلک القصص، التى استطاع أن يوظفها بشکل جيد إلا فى قليل منها حيث لم ترق إلى فن القصة القصيرة ، ويمکن أن نطلق عليها "حکاية " ، مثل قصة" مجاهد عربي وزوجته " فى حين إن کثيرًا من القصص قد ارتقت إلى فن القصة باکتمال عناصرها ، وتماسکها وحسن نسجها ، من خلال حسن توظيف الحدث ، وقدرته الجيدة على انتقاء الشخصيات ، التى تناسب هذا الحدث فى ظل مکان وزمان ملائم لظروف وتداعيات القصة ، مع إجادته فى بعض القصص فى استخدام عنصر الحبکة ، الذى يضفي على العمل نوعًا من التشويق والإثارة ، وإن کانت بعض القصص تفتقر إلى هذا العنصر. 

الكلمات الرئيسية


البناء الفنی للقصة عند إبراهیم ناجی

"دراسة تحلیلیة نقدیة"

إعــداد

أحمد سعید بکر محمود

إشـــراف

أ.د.عبدالمرضی زکریا خالد

أستاذ الأدب العربی ونقده

بکلیة التربیة جامعة عین شمس

 

 

أ.د. أشرف محمود نجا

أستاذ الأدب العربی ونقده

بکلیة التربیة جامعة عین شمس

د. وائل علی السید

أستاذ الأدب العربی الحدیث المساعد

بکلیة التربیة جامعة عین شمس

الملخص

    تهدف هذه الدراسة إلى إبراز عناصر البناء الفنی لإبراهیم ناجی فى مجموعته القصصیة    " أدرکنی یا دکتور "، والتى تضمنت عشرین قصة قصیرة بإلاضافة إلى ثلاث قصص مرفقة براویة زازا، وتعتمد هذه الدراسة على تحلیل ونقد تلک القصص ؛ لتلقی الضوء على بعض الجوانب الفنیة فى کل قصة من القصص المختارة، ونرى قدرة إبراهیم ناجی على حسن توظیف عناصر البناء الفنی فى تلک القصص، التى استطاع أن یوظفها بشکل جید إلا فى قلیل منها حیث لم ترق إلى فن القصة القصیرة ، ویمکن أن نطلق علیها "حکایة " ، مثل قصة" مجاهد عربی وزوجته " فى حین إن کثیرًا من القصص قد ارتقت إلى فن القصة باکتمال عناصرها ، وتماسکها وحسن نسجها ، من خلال حسن توظیف الحدث ، وقدرته الجیدة على انتقاء الشخصیات ، التى تناسب هذا الحدث فى ظل مکان وزمان ملائم لظروف وتداعیات القصة ، مع إجادته فى بعض القصص فى استخدام عنصر الحبکة ، الذى یضفی على العمل نوعًا من التشویق والإثارة ، وإن کانت بعض القصص تفتقر إلى هذا العنصر. 

الکلمات المفتاحیة:  القصة القصیرة / البناء الفنی/ الحدث / الشخصیات / الزمان / المکان / الاستباق / الاسترجاع / الحبکة.


Summary

This study aims at showing the elements of the artistic structure in Ibrahim Nagi's anthology of short stories " Help me doctor", which consists of twenty short stories in addition to three stories attached to the novel "Zaza". This study depends on the analysis and criticism of these stories to shed light on some of the artistic features in each of the selected stories. We realize Nagi's good ability to implement the elements of artistic structure in those stories. He did this in a satisfactory way except in a few which are not up to the standard of the art of the short story. The latter can be called tales like "An Arabian Mujahid and his wife". However, many others are up to be short stories with their complete components, their coherence and the beauty of their plot through the good use of the incidents and Nag's good ability to select the characters suitable for the incidents according to the time and place relevant to the dynamics in the story. He also excelled in some stories in using the plot which gives the work of art excitement and suspense. Yet, some other stories lack this element.

The key words:

The short story/ artistic structure/ incident/ characters/ setting/time/anticipation/flashback/ plot


البناء الفنی للقصة عند إبراهیم ناجی

"دراسة تحلیلیة نقدیة"

إعــداد

أحمد سعید بکر محمود

إشـــراف

أ.د.عبدالمرضی زکریا خالد

أستاذ الأدب العربی ونقده

بکلیة التربیة جامعة عین شمس

 

 

أ.د. أشرف محمود نجا

أستاذ الأدب العربی ونقده

بکلیة التربیة جامعة عین شمس

د. وائل علی السید

أستاذ الأدب العربی الحدیث المساعد

بکلیة التربیة جامعة عین شمس

المقدمة:

    الحمد لله الذی علم بالقلم، والصلاة والسلام على من أوتى جوامع الکلم، وعلى صحابته الأبرار مصابیح الهدى، وعلى آله الأطهار نجوم المعرفة وأولی الحکمة والنهى وبعد،،،

    فتمثل القصة نوعًا أدبیًا یلجأ إلیه المبدعون ؛ لتحمل أفکارهم وتنم عن مکنوناتهم فی صورة أدبیة مستعینین فی ذلک بوسائل التعبیر المختلفة فی عرضها، کما أنها تمتاز بسمات خاصة تتیح لمبدعها مساحة واسعة للتعبیر ؛ مما یجعلها أکثر مرونة لاستیعاب قضایا عصره، ورصد ما یلحقه من تطورات وأحداث فی نواحی الحیاة المختلفة.

    ویُعنى هذا البحث بدراسة عناصر البناء الفنی للقصة القصیرة عند الشاعر إبراهیم ناجی ؛ حیث یُعدُّ ناجی أحد شعراء جماعة أبوللو کما کان وکیلًا لها، وله أکثر من دیوان شعری حظی باهتمام الباحثین والنقاد؛ ومنها:  دیوان "وراء الغمام "، " لیالی القاهرة " و " فی معبد اللیل " و"الطائر الجریح"، وعلى الرغم من شهرة ناجی شاعرًا فإن لشاعر الحب الرقیق الکبیر عطاءً نثریًا غزیرًا فی مجال القصة القصیرة، لم یهتم به الدارسون مثلما اهتموا بعطائه الشعری، وقد ظلَّت إبداعات ناجی النثریة على صفحات المجلات فترة زمنیة طویلة، إلى أن قام الشاعر حسن توفیق بجمعها بعد معاناة شدیدة فى مجلدین، ومن أعمال ناجی النثریة:  کتاب " مدینة الأحلام " و" کیف تفهم الناس " و" توفیق الحکیم - الفنان الحائر " و "لیالی فینسیا"و" أدرکنی یا دکتور " و"رسالة الحیاة "  و"عالم الأسرة ".

    وتتسم حیاة ناجی منذ صغره بأنها تتجه اتجاهًا کبیرًا نحو الأدب، أی أنه أدیب بالفطرة، نشأ وتربى وترعرع على حب الأدب، فعرفنا ناجی شاعرًا وأدیبًا، ومن أفضل الکتاب الذین سردوا حیاة ناجی الذاتیة الکاتب والشاعر صالح جودت فى کتابه ( ناجی حیاته وشعره )، حیث کان صدیقًا لناجی فکان من أدقّ وأفضل من کتب عن ناجی.

    ولم یکن اهتمام ناجی بکتابة النثر نوعًا من رد الفعل السلبی تجاه الهجوم الذی شنَّه على شعره کل من الدکتور طه حسین والأستاذ عباس محمود العقاد – کما هو متصور- ولکنه عقدة مؤقتة ضد الشعر، فأقسم أن یطلِّق الشعر ولا یقوله أبدًا، ولکنه لم یستطع أن یخاصم الکتابة، فاتجه إلى ترجمة القصة تارة ثم إلى تألیفها تارة أخرى، وإلى کتابة المقال ثالثة، حتى خلَّف لنا عطاءً نثریًا غزیرًا رائعًا إلا إنه لم یصل فیه إلى وصل إلیه فی حقل الشعر.

    وعن الأعمال القصصیة التى نحن بصددها کتب ناجی مجموعة قصصیة بعنوان (أدرکنی یا دکتور) تضم عشرین قصة، وثلاث قصص مجهولة جمعها حسن توفیق وألحقها بروایة (زازا)، بإلاضافة إلى ثلاث قصص مصریة فی کتابه ( مدینة الأحلام )، کما قام بترجمة بعض القصص العالمیة.

  والبحث یعالج عناصر البناء الفنی فی أعمال الدکتور إبراهیم ناجی القصصیة من منظور تحلیلی نقدی لیقیم تجربة الإبداع القصصی لدیه، وهل استطاع الکاتب أن یوظِّف عناصر البناء الفنی بدایة من الحدث والشخصیات ومرورًا بالزمان والمکان ووصولًا إلى الحبکة والنهایة فى القصة ؟

    وأمَّا عن أهمیة هذا الموضوع فتتمثل فیما یلی :

1-   لم یُعنَ أحدٌ من الباحثین - على حدِّ علم الباحث- بتقدیم دراسة مستقلة لأعمال ناجی النثریة على الرغم من قیمة أعماله القصصیة، وما تعالجه من قضایا مهمة تعد حقلًا خصبًا للدراسة والتحلیل والنقد.

2-   إنه إضافة جدیدة إلى المکتبة العربیة، تستجلی عالم إبراهیم ناجی النثری فی مجال القصة، کاشفة عن أدائه الفنی فی قالب السرد الفنی، وتوظیف الصیغة الدرامیة، ومدى التأثر بتقنیات البناء الشعری فی بناء القصة.

عناصر البناء الفنی عند ناجی :

1-  الحـــدث

     یُعدُّ الحدث الحدوتة الشعوریة التی تتجسد من خلالها الرؤیة، وهو المادة القصصیة التی بدونها لا یکون هناک قصٌّ وإذا کان هناک نص بدون موضوع، أی موضوع  "فهو لیس أکثر من شقشقة لفظیة، وبراعة لغویة تضم بین أحضانها خواء وتمشی على  الماء. "[1] ومن خلال ذلک المفهوم یتبین أن الحدث لابد أن یشتمل على موضوع أو قضیة، یسعى الکاتب إلى توضیحها من خلال الحکی داخل النص، ولذا " فالموضوع هو حدث یتم فی مکان وزمان محددین، تنشأ عنه علاقات إنسانیة مختلفة، ویتمثل أیضًا فی سلوک الشخصیة التی تسعى لتحقیق هدف وتعبر عن أملها ومشاعرها."[2]

    إذن موضوع القصة لابد أن یدور فی فلک الزمان والمکان، ویراعی سلوک الشخصیة بسماتها المختلفة، حتى یُخرج لنا عملًا فنیًا متکاملًا.

    والموضوع فی قصص " إبراهیم ناجی " قد یکون مشکلة عاطفیة أو إحساسًا بالواقع، وتارة یسعى لتحقیق هدف طبی أو التغلب على عجز مالی أو بدنی أو نفسی، وتارة أخرى یسعى إلى محاولة تعدیل الواقع الاجتماعی المریر، حتى یتسنى العیش فی حیاة یسودها احترام الإنسان ومعاملته بشکل آدمی.

    وإذا کانت القصة تکشف مجهولًا أو تروی خبرًا، فلیس بالإمکان اعتبار کل خبر قصة، وإلا أصبحت صفحة الحوادث مجموعة قصص معاصرة وواقعیة حدثت بالفعل ومعظم أطرافها أحیاء، وفی الوقت ذاته یغلب علیها طابع التشویق، ولکن هذا لیس بالإمکان ؛ لأن الخبر کی یصیر قصة، لابد أن یکون ذا مغزى فضلًا عن صیاغته الأدبیة، التی تتسم بسمات ممیزة وخصائص معینة، تجعل منه جنسًا أدبیًا مختلفًا عن غیره من الأجناس.

    وهذا یعنی أننا لکی نسمی النص قصة، لابد أن نراعی أولًا عناصر القصة وسماتها قبل أن نطلق علیه قصة، فقد یکون الخبر حکایة نظرًا لخلوه من بعض عناصر القصة " والخبر الذی ترویه القصة یجب أن تتصل تفاصیله أو أجزاؤه بعضها ببعض، بحیث یکون لمجموعها أثرًا کلیًا ومعنى کلیًا، ولکن الأثر أو المعنى الکلی لا یکفی وحده لکی یجعل من الخبر قصة، فلکی یروی الخبر قصة یجب أن یتوافر فیه شرط آخر وهو أن یکون للخبر بدایة ووسط ونهایة أی أن یصور ما نسمیه بالحدث.  "[3]

    والقصة تُعدُّ تصویرًا فنیًّا لحدث ما تقوم به شخصیة أو أکثر عبر العمل القصصی ویحدث فی مکان ما، ویمتد لزمن ما ؛ لذلک یُعدُّ الحدث أهم عنصر فی القصة، ففیه تنمو المواقف وتتحرک الشخصیات، وهو الموضوع الذی تدور حوله القصة.


أهمیة الحدث:

    الحدث له أهمیة بالغة ؛ حیث نجده عنصرًا مهمًا فی بناء القصة، بل إنه یشکل نسبة کبیرة فی بنائها، " فمنذ أن بدأت الإنسانیة رحلتها ونحن نجدها تعتمد على الحدث الذی لا غنى عنه، وقصُّ الأحداث فی إطار تاریخی أمر قدیم ثمرته الطبیعیة إنشاء حکایة الأحداث، ومن ثمَّ فسرد الأحداث أو قص الحکایات قصیرة أو طویلة أمر وارد وقدیم قدم الإنسان، وتالى أحداث حیاته التی لا تخلو من إثارة. "[4]، والحدث هو الذی یجعل القارئ متابعا للعمل الفنی ؛ حیث إن القارئ یرید متابعة العمل الفنی بکل جوارحه،  فهل یستطیع القاص أن یجعله یشعر باللذة ؟.

    إن حب الاستطلاع ینمو إذا اتجهت الأحداث اتجاهًا معینًا، أی إذا دفعت القارئ یتساءل ماذا یمکن أن یحدث بعد ؟ بدلًا من أن یستدعی حادثة أخرى، کذلک یستطیع الکاتب أن "یثیر مستوى جدیدًا من الانفعالات الحادة، کالتوقع والفزع والخوف وما شابه ذلک إن استخدم سیاقًا مترابطًا لا بمجرد وقائع متعاقبة، وبإحلال الحدث الواحد مکان الأحداث الکثیرة المتتابعة، وعلیه ومن ثم وقد أثار هذه الانفعالات إذا أراد الاستمرار فی إمتاع القارئ أن یقدم إلیه ما یطمئن معه إلى أن هذه الانفعالات ستهدأ مرة  أخرى."[5]

    ومن خلال قراءتنا لقصص "ناجی" نجد أن مزاج الشخصیة یتغیر من حال إلى حال، فتارة من الخوف إلى الطمأنینة والعکس، وتارة أخرى من التوتر إلى الهدوء، وکل ذلک یکون له تأثیر قوی على القارئ، على عکس الأحداث التی تسیر على وتیرة واحدة دون تغیر أو تطور، وکل ذلک یدفع القارئ إلى معرفة طبیعة الحدث، فقد تکون الأحداث واقعیة مستوحاة من الواقع، وقد تکون خلقیة، أو ملحمیة، أو أسطوریة خیالیة، أو غیبیة خارقة ؛ لأن المراد من العمل الفنی هو أن یمهد للبشریة الطریق ؛ لکی لا تقع فی براثن المجهول، وهذا یُحتِّم على الکاتب أن یأتی بنهایة تتناسب مع القضیة التی تعالجها القصة وطبیعة العصر الذی یکتب فیه.

طرق بناء الحدث:

أ‌-     الطریقة التسلسلیة :

    فی هذه الطریقة یتم عرض الأحداث بشکل تقلیدی، وهذا ما ذهب إلیه "ناجی"  فی قصصه، حیث تمضی الأحداث فی قصص ناجی فی شکل متتابع ذی تسلسل زمنی، ذی خط طولی من بدایة ووسط ونهایة، ویأتی فیها زمن السرد عقب زمن الحوادث، وهو عبارة عن عرض الأحداث من بدایتها إلى نهایتها دون تقدیم أو تأخیر، وهو ما أطلق علیه النقاد مصطلح "النسق الزمنی الصاعد" ؛ وإن کانت هذه الطریقة تحمل الکاتب عبئا کبیرًا متمثلًا فی ترتیب الحوادث أو منطقیة الحدث.

- ویتکون البناء التسلسلی غالبًا من خمسة عناصر وهى:

العرض، التأزم، الذروة والتعقید، الهبوط والانفراج، الحل.

     فإذا نظرنا إلى قصة "أدرکنی یا دکتور" لوجدنا أجزاء الحدث التسلسلی قد تحققت فی سیاق الحدث، فقد بدأ قصته من الصغر أی ما قبل الحدث وهذا ما یسمى بالافتتاحیة، وعندما ننظر فی قصة (أدرکنی یا دکتور) نجده یبدأ الحدث قائلًا "وقفت السیارة البویک عند منعطف الطریق القروی المتفرع، وقد تعطلت ولم تستطع السیر"[6]، وهنا نجد من خلال الجملة الافتتاحیة عرضًا للحدث فی بدایته، وعرض تلک المشکلة التی تمثلت فی تعطل السیارة فی مکان فقیر بعید عن المدینة، وهى ما نطلق علیها مرحلة العرض، وعندما ننتقل إلى المرحلة التالیة للحدث ألا وهى التأزم، والتی برع الکاتب فی وصفها وتجسیدها، عندما أدار البطل عینیه فی المکان فلم یجد سوى أکواخ بالیة وصمت رهیب وهو فی حالة یأس وعطش وجوع، وحلول اللیل الذی أسدل أستاره على المکان، ومن هنا تتأزم المشکلة التی جسَّدها ناجی بمهارة رائعة فی قوله " قالت المرأة: إن البندقیة مع زوجی "فارتمت نینی على قطعة من الخشب متهالکة، وفی بالها ما طالما جرى من الجدل بینها وبین ذهنی عن أمر هذه الطبقات الفقیرة، کانت تصیح به: إنهم لصوص بالفطرة فیصیح بها:  بل بالضرورة یانینی.  "[7]

    وتتأزم المشکلة بشکل أکبر عندما یعود ذهنی وخلفه زوج المرأة حاملًا البندقیة، ثم تأتی المرحلة التی ینتظرها القارئ فتارة یفکر، وتارة یتخیل ویتوقع، وتارة یبحث فی ثنایا الأحداث إلى أن یصل إلى ما یمتع النفس ویرىحها، وهى مرحلة الانفراج والهبوط وذلک عندما " ارتمت نینی على صدر خطیبها باکیة، فضغط على یدها، واستدار الجمیع راجعین، والخفیر یدلهم على الطریق. "[8] ثم تأتی النهایة التی لم تصدقها نینی عندما وصلت السیارة إلى القاهرة ووقفت أمام عیادة الطبیب.

    وفی قصة "دادة حلیمة" نجد أن الحدث قد تعددت صوره، فنجد الحدث الأول فی هذه القصة هو تخرُّج الکاتب فی کلیة الطب، لکنه کان فقیرًا، ثم تأزمت المشکلة عندما خُیِّر بین وظیفة الحکومة و قضاء الحیاة، ولکنه یؤثر الحکومة إثر صراع عنیف بینه وبین نفسه طوال اللیل، ثم تتأزم المشکلة عندما وجد الأستاذ الجراح فظًا غلیظًا وقد أنقذه من ورطة فی أثناء قیامه بإجراء جراحة، ولکنه ینهره حتى قام بقذفه بکل آلة جراحیة، وترک الوظیفة باحثًا عن عمل غیر ذلک.

    أما الحدث الثانی فنجده أیضًا متکامل الأجزاء، عندما کان الطبیب یبحث عن عیادة، ولکنه کان یدری أن ذلک شیء صعب لما یحمل فی جیبه من قروش قلیلة، لا تکفی لوجبة غذاء حتى فتحت له السماء أبوابها، واستطاع أن یستأجر عیادة فی العتبة، وتفتح له الشهرة أبوابها، ثم یأتی الحدث الثالث الذی تَمثَّل فی دادة حلیمة التی أتت بجلبة شدیدة ونجحت فی ذلک، وأخذت تقصُّ قصتها على الطبیب مرض حفیدها "سعد"، إلى أن وقع ذلک الطفل البریء فی ید ذلک الجراح الفاشل الذی جاءت نهایته على یدیه.

    وفی قصة " تحلیل نفسی" نجد الحدث یبدأ بشىء من التشویق والإثارة والفکر المتعمق والحس العاطفی المرهف، فنجده یقول على لسان الطبیب الکهل " کنت فی شبابی مغرمًا بالتحلیل النفسی، وکنت عاشقًا لفروید، أقرأ قصة حیاته فی عبادة وإیمان، وکانت أمنیتی الکبرى أن أکون فروید مصر، ولکن شیئًا واحدًا کان یخیفنی، هو أن یحدث ما حدث لصدیق  فروید، فقد شفى سیدة من مرضها العصبی فأحبته حبًا جنونیًا وتبعته فی کل مکان. "[9]، وهذا ما حدث بالفعل من خلال السیدة التی استطاع أن یعالجها بالتحلیل النفسی لا بالتدخل الجراحی، وشفیت وأخذت تتبعه فی کل مکان، لکنه خاف هنا من ملاکمها الذی توعده إن حاول الاتصال بها مرة أخرى، إلى أن التقى به الطبیب فی الترام فضربه فی مجموعة البطن، وأخذ علیه عهدًا ألَّایقترب من تلک السیدة مقابل أن یعالجه مما حدث له.

    ومن خلال ما تمَّ عرضه سالفًا، نجد اتصال البدایة بالوسط والنهایة اتصالًا لا یخلُّ بالمعنى مما یجعل القصة متماسکة، وکأنها جسد واحد صحیح البنیة، مما جعل الحدث  یشکل عملًا فنیًا مسترسلًا من وحی الکاتب.

    ولیس کل خبر یروى یکون قصة، فمن الأخبار ما تُوضع جنبًا إلى جنب کما فی قصة (مجاهد عربی وزوجته )، فقد وجدتُ هنا بعض عناصر القصة مفقودة، فالقصة تتحدث عن شخصیة مجهولة کانت بجوار النبی - صلى الله علیه وسلم- لم تظهر تلک الشخصیة إلا فی مشهدین، ولهذا لا نستطیع أن نسمی هذا العمل "قصة" ولکن یمکن أن یُسمَّى "حکایة" نظرًا لأنه یروی حدثًا ولا یعبأ بالزمن ولا العقدة.

 

ب‌-  الطریقة التراکمیة

    الطریقة التراکمیة هى تلک الطریقة التی یتمیز بها القص الحدیث ؛ نتیجة التعرجات الزمنیة التی یلجأ إلیها الکاتب، ووکذلک دخول معطیات جدیدة على العمل الروائی کالمونولوجیات الداخلیة، والاسترجاعات والاستباقات الزمنیة، وفی هذه الطریقة یستطیع الکاتب أن یوسع من دائرة الحدث بالأخص من الناحیة الکمیة ونقصد بالتراکم الحدثی" تکدس مفردات الصورة الواحدة أو الصور المختلفة بکثرة، إمَّا بشکل متجاوز مترابط بأدوات لغویة نحویة تقلیدًا للتأثیر الشعوری أو لأداء دلالة بلاغیة أو إبلاغیة معینة منشودة تشکل محورا ما من محاور النص أو ضرورة بلاغیة لنقل المضمرات النصیة عبر الدلالة اللغویة.  "[10]

    ویظهر ذلک فی قصة "الذباب" حیث إن الحدث فیها تراکمی منذ أن بدأ الدکتور حکیم یقص حکایته بدایة من أبیه أحمد أفندی العادلی، ووصفه لحیاته البسیطة متعرضًا لشخصیة أخرى مؤثرة فی الحدث وهو "على المواردی" ونصیحته له التی نقلها فیما بعد للدکتور حکیم، فنجد أن الحدث هنا متراکم، وکأن الکاتب اختزل النصیحة ؛ لتصل إلى الابن بطریقة غیر مباشرة، حتى اقتنع بها فی النهایة، فنجد هنا عرض الأحداث بطریقة الاسترجاع وبنوع من الاستباق.

2ــ الشخصیة:

    الشخصیة هى محور الأحداث فی القصة ولا تخلو أی قصة من شخصیاتها، التی تقوم بتحریک الأحداث فی مکان وزمان ما، ففی " کثیر من الأحیان ینشأ الحدث عن موقف معین یتطور إلى نهایة معینة، ومع ذلک یظل الحدث ناقصًا فتطوره من نقطة إلى نقطة أخرى، إنما یفسِّر لنا کیف وقع ولکنه لا یفسِّر لنا لمَ وقع ؟  ولکی یستکمل الحدث وحدته، أی لکی یصبح حدثًا کاملًا، یجب ألا یقتصر الخبر عن الإجابة على الأسئلة الثلاث المعروفة وهى کیف وقع ؟ وأین ؟ ومتى ؟ بل یجب أن یجیب عن سؤال رابع مهم وهو لمَ وقع؟ والإجابة عن هذا السؤال تتطلب البحث عن الدافع أو الدوافع التی أدَّت إلى وقوع الحدث بالکیفیة التی وقع بها، والبحث عن الدوافع یتطلب بدوره التعرف على الشخص، أو الأشخاص الذین فعلوا الحدث أو تأثروا به. "[11]

    وبناءً على ذلک نستطیع القول إن الشخصیة هى العنصر الفعَّال، والذی یحرک القصة، وکما لا توجد قصة بدون حدث، لا توجد قصة بدون شخصیات ؛ لأن الشخصیة هى المحور التی تتبلور حوله الأحداث وبه تتم القصة، ولو أن الکاتب اقتصر على تصویر الفعل دون الفاعل لکانت قصته أقرب إلى الخبر المجرد منه إلى القصة.

    ومن الملاحظ أن ناجی اتبع فی قصصه نهجًا خاصًا، وهو من ناحیة یظهر لنا هذه الشخصیات قلیلة، فالکاتب فی القصة الواحدة جعل عدد الشخصیات قلیلًا، بحیث یتراوح ما بین ثلاث أو أربع شخصیات، تعمل جانب الشخصیة الرئیسة، وقد یدیر الکاتب القصة حول شخصین فقط.

بناء الشخصیة فی قصص " إبراهیم ناجی ":

    نظرًا لتلک المکانة التی تستحوذ علیها الشخصیة فی العمل القصصی، فإن عملیة بنائها أهم عملیة فی بناء القصة جمیعًا ؛ لأنها مرتبطة بتوثیق بناء القصة ؛ ولهذا فإن کثیرًا من القصص تتعرض للخلخلة، نتیجة الوصف الخارجی للشخصیة دون الغوص داخل الشخصیة، والکشف عن جوانبها المختلفة ؛ لأن الشخصیة عامل بناء فی القصة؛ لذا کان من الواجب الاعتناء بها.

    فالشخصیة فی قصص ناجی ذات أنواع عدیدة، بعضها یتعلق بموقع الشخصیة من الأحداث، وقدرتها على النمو وإدارة حرکة الصراع، وبعضها یرتبط بموقف الشخص من الأحداث، إیجابًا وسلبًا، وبعضها یعبر عن الواقع الاجتماعی، وهناک شخصیات عامة وخیالیة منها: المبسطة، والمعقدة، والرئیسة، والثانویة، والمسطحة، والحادة، وکل ذلک یشیر إلى وجود اختلافات بین الشخصیات.

    وقد تنوعت الشخصیات عند "ناجی" ؛ فقد زخرت قصصه بالشخصیات الرئیسة، شخصیات إیجابیة ثانویة، شخصیات سلبیة رئیسة، شخصیات ثانویة سلبیة.

1ــ شخصیات إیجابیة رئیسة:

    الشخصیة الرئیسة هى التی تتطور بتطور الأحداث وتتحرک فی أثناء قیامها بالحادثة بحیویة ونشاط، وذلک نتیجة تفاعلها مع ظروف المجتمع سلبًا وإیجابًا بقصد التغییر والتطویر، والشخصیة الرئیسة هى الشخصیة الفنیة التی " تستقطب نحوها الأحداث وتدور حولها الأفکار والاتجاهات، بحیث تفرض سطوتها ونفوذها على مجرى الأحداث والشخصیات التی تسخر لخدماتها. "[12]، وهذه الشخصیة الرئیسة یصطفیها القاص ؛ لتمثل ما أراد تصویره من أفکار وأحاسیس، وتلک الشخصیة تتمتع بحریة الرأی والحرکة داخل مجال النص القصصی، ولابد أن تکون هذه الشخصیة إیجابیة ومتطورة، حتى تسهم فی الأحداث وتشترک فی تطویرها والتفاعل معها، وهى تؤثر أیضًا فیمن حولها من الشخصیات الأخرى کما تتسم بالقدرة على حسم القضایا فی المواقف المختلفة، وهذا النوع من الشخصیة لا یمکن وصفه بالإیجابیة، إلا إذا قام بأداء وظائف مهمة فی تطویر الحدث، وهى شخصیة مسیطرة تکون ذا فاعلیة کلما منحها القاص حریة، وجعلها تتحرک وتنمو وفق قدرتها وإرادتها.

    وقد تعددت الشخصیات من هذا النوع فی قصص ناجی، کما تباینت من حیث موقفها من الأحداث، ففی قصة "دادة حلیمة" نجد شخصیة الطبیب شخصیة إیجابیة رئیسة، ترفض العمل الحکومی بعدما رأته فی صورة الأستاذ الجراح، وأخذت الشخصیة تنمو وتتطور باحثة عن عیادة ؛ لتبدأ عملها الحر إلى أن تحقق ذلک، وحصل الطبیب على عیادة بالعتبة وأصبح طبیبًا مشهورًا، وهو شخصیة قادرة على اتخاذ القرار حیث قال: " فقضیت لیلتی فی صراع عنیف بین جدران الحکومة، وفضاء الحیاة، وعند قرب الفجر لم أجد مناصًا من قبول وظیفة صغیرة فی قسم الجراحة. "[13]، فشخصیة الطبیب هنا متطورة تنمو بنمو الأحداث، وتتغیر بتغیر الظروف، وتتفاعل مع الأحداث، ولها انفعالاتها ومشاعرها وشخصیتها الممیزة، وبدت کل أحداث القصة عدسة مسلطة على هذه الشخصیة، ومن ممیزات الشخصیة الرئیسة أنها تظهر طبیعتها من خلال تصرفها.

    وأیضًا نجد أن البطل فی القصة "فنان" هو محمد أفندی العنابی فهو من الشخصیات الإیجابیة الرئیسة المتطورة مع أحداث القصة، فقد کان محور الأحداث، وُظِّف بالحکومة و قدَّم استقالته لما کانت تلک الوظیفة تعوقه عن أداء عمله الفنی، ولکونه موسیقیًا موهوبًا، أبى أن یستمر فی هذا العمل الفنی، فنجده یأخذ القرار رغم اندهاش (أبو زید) أفندی رئیس مکتبه وعلى الرغم من أن أمه والجیران أخذوا یلومونه على ما صنع فإنه ظل متمسکًا بقراره وأخذ یطوِّر من نفسه " ویتردد على معهد الموسیقى ویحبس نفسه الأیام واللیالی فی سبیل الدرس والتحصیل، وکانت أمه وخطیبته تکدحان فی سبیل القوت." [14]، ثم بدأ حلمه یتحقق رویدًا رویدًا بحفلة موسیقیة، لکنَّ أحدًا لم یحضر من المدعوین، وکاد ینصرف عن الموسیقى نهائیًا، لولا حسین أفندی الذی جعله یعود مرة أخرى للموسیقى، ویستقیل من الحکومة للمرة الثانیة.

    ومن المستحیل فصل الشخصیات فی أی قصة، عن الحدث والحبکة أیًّا کان موقعها، فهى شخصیات تکافح ضد قوى طبیعیة، أو اجتماعیة، أو اقتصادیة، أو ضد کائنات بشریة أخرى، أو تعیش أزمة داخلیة طوال الحبکة.

 

2ـ شخصیات إیجابیة ثانویة:

    الشخصیات الإیجابیة الثانویة هى تلک الشخصیات، التی تقدم العون والمساندة للشخصیة الرئیسة أو المعارضة لها، وهى تساعد على نمو الشخصیة الرئیسة، وقد تکون " قادرة على إدارة بعض الأحداث الجانبیة اللازمة لتسییر الحدث الرئیسی، أو لإظهار شخصیة البطل وتوضیح بعض معالمها وسماتها، سواء عن طریق الکشف عنها، أو عن طریق معارضها، أو عن طریق إظهار نقیضها. "[15].

    وقد تکون الشخصیة الثانویة ملیئة بالإثارة والتشویق، من خلال ما نعرضه من أحداث، وتفرض تأثیرها على الشخصیة الرئیسة، من خلال دورها الثانوی البسیط فی مجرى الأحداث، وهذا النوع من الشخصیة نجده فی قصة "دادة حلیمة"، وهنا نجد أن شخصیة دادة حلیمة، رغم کونها شخصیة ثانویة، فإنها لها تأثیر بارز على الشخصیة الثانویة من خلال ما سردته من حکایة صغیرها (سعد)، فنجدها غیَّرت مجرى الأحداث، ووجهت اهتمام الشخصیة الرئیسة لها، فکانت الشخصیة الرئیسة تستریح عندها إلى أن أتى الأستاذ الجراح محاولًا علاج ذلک الصبی، ولکنه کان السبب فی فراق الطفل الحیاة الأمر الذی أحزن "دادة حلیمة" على صغیرها الذی کان کل أملها فی الحیاة، فهذه الشخصیة بدأ الکاتب فی رسم أحداثها کالتالی " قالت وهى تسرع نحویاسمی حلیمةیا سیدی، مدح لی فیک شیخ سوق الخضار اللی عالجت أولاده والحکیم العجوز ده بیجرنی عنده بیقول لی آخذ نصف ریال فقط.  "[16]

    کما تتکرر تلک الشخصیة فی قصة "الأقدار" فنجد أن السیدة التی حطَّمت سیارة الطبیب فی أثناء ذهابه لإنقاذ ذلک الطفل المریض بالدفتریا هى نفسها التی ساعدته فی علاج الطفل، وقد أثَّرت فیها الشخصیة الرئیسة عندما أجبرها الطبیب على توصیله لبیت الشیخ "خلف" ؛ لإنقاذ ذلک الطفل وقد قامت السیدة بمعاونة الطبیب فی أثناء تمریضه للطفل وشکرها الطبیب، ولکن هذه الشخصیة الثانویة قد أثرت أیضًا فی مجرى الأحداث، وتأثرت بالأحداث عندما قالت السیدة "لقد تلقیت درسین على یدیک فی لحظة. .. التضحیة فی سبیل الواجب، وواجب الأم نحو ولدها بالتضحیة "[17]وبهذا فقد استطاع الکاتب أنیرسم خطوطًا تسیر علیها الشخصیة الثانویة لیبرز دورها المساند لشخصیة البطل، حیث استطاع أن یقتبسها دون أن یُعنى بتهذیبها أو الترتیب لها داخل العمل القصصی بل ظهرت له فجأة لتشارک البطل فی الأحداث.

    ومن هذا المنطلق یتحقق قول الدکتور محمد غنیمی هلال " فلابد أن یصاحب وجود شخصیة البطل فی القصص شخصیة ثانویة تساعد على دعم فکــرة القصـة ونماء حرکتها، وذلک بتلاقی هذه الشخصیات فی حرکتها نحو مصادرها، وتجاه الموقف العام فیها. "[18]، وقد تقوم الشخصیة الثانویة بدور معارض للشخصیة الرئیسة وهى التی تمثل القوی المعارضة فی النص، فشخصیة الملاکم الشهیر فی قصة " تحلیل نفسی " تلعب دور المعارضة فی النص القصصی عندما دخل على الطبیب فی عیادته وحذره من الاتصال بـ "سعاد" وعندما وجده فی الترام قال له الملاکم " أنت فلاح حقیر "[19]، فهذا الملاکم بذل کل جهده حتى یحول بین الطبیب و قلب سعاد، ولکنه لم یتمکن من ذلک، وقام الصراع بینه وبین الطبیب وانتهى بلکزة من الطبیب فی بطن الملاکم عالجه الطبیب على إثرها شهرًا کاملًا.

3ــ شخصیة سلبیة رئیسة :

    الشخصیة السلبیة الرئیسة هى " التی تتمتع بطابع محاید تقف على شاطئ الأحداث، ترقب تیارها المتدفق المتلاطم من بعید، دون أن تغوص فیه وتصارعه، فتعلو علیه أو تهبط دونه أو تتجاوزه، فهذه الشخصیة بطابعها المتردد العاجز الضعیف تقف جامدة فی مکانها تتلقى الأحداث فقط. "[20]، أی أن تلک الشخصیة تترک نفسها فی مهب الریح، دون أن تعترض أو یکون لها رد فعل، وعندما تتعرض لمشکلة قد تستسلم لها، دون رد فعل ملحوظ إزاء الأحداث، فتخلق علاقة غیر ترابطیة بینها وبین الحدث الذی تقوم به القصة، ولذلک فقبل الحکم على الشخصیة، لابد من النظر إلیها من خلال علاقتها  بالحدث، ودورها فی تطور الحبکة، وعلاقتها بالشخصیات الأخرى.

    ففی قصة "على سفح المقطم " نجد شخصیة عکرمة الذی وقف موقفًا سلبیًا من الأحداث، عندما أتى البولیس لینقب عن تلک الآثار فوجدهم مجموعة من القوم یحملون فئوسًا، وقام البولیس بطردهم من مکان نومهم "تألم عکرمة ألمًا مرًا، وهو ینظر إلى البقعة الوحیدة التی مکَّنته أن یریح جسده المتعب علیها، ونظرت أمینة إلى سفح التل اعتادت من حین لحین أن تلقى بجسده الکلیل "[21]

    ولعل هذا یلفت إلى سلبیة البطل "عکرمة" فی هذه القصة مما أثَّر على بقیة الشخصیات بالسلب، فوقف مکتوف الأیدی لا حیلة له إلا أنه استسلم للأمر، وکانت الکارثة قد حلَّت على أذهان عکرمة، عندما علم بأن الحفرة التی کانوا ینامون علیها تمتلئ بالمال والذهب، وما یعنینا هنا هو سلبیة الشخصیة، رغم أنها الشخصیة الرئیسة، وهى لم تتفاعل مع الحدث، کما ترکت الحدث یذهب إلى شخصیات أخرى هامشیة دون أن یتفاعل معها بشکل إیجابی " فالعلاقات بین مکونات القصة القصیرة تقوم على الإدماج لا التجاوز، فعناصر القصة أو مکوناتها لا ترتبط فیما بینها بعلامة تساوٍ أو إضافة ترتبط فیما بینها بعلاقة الترابط والتکامل والدینامیة ." [22]

4ــ شخصیة سلبیة ثانویة :

    وا لشخصیة السلبیة الثانویة هى تلک الشخصیة التی " لا یطرأ علیها تغییر فی القصة أو تتغیر فی إطار الظروف المحیطة بها، وهى الشخصیة التی لا یحفل الکاتب بها کثیرا." [23]، ومن خلال هذا التحدید یتضح أن الشخصیة السلبیة الثانویة تتسم بالثبات وعدم تطورها داخل الحدث تأثرًا وتأثیرًا، فضلًا عن ضعف أثر الزمان والمکان على هذا النوع من الشخصیات، وعدم قدرة هذه الشخصیة على التشویق والإقناع لذلک فهى ثابتة، وقد یُطلق على هذا النوع من الشخصیات " الشخصیات المهمشة " التی لا یعبأ الکاتب بها، ولا یسعى إلى معرفة تفصیلات حیاتها، ولم یتابع تطورها إلا فی نطاق الحدود التی تخدم الحدث فی القصة القصیرة، أو تخدم أفعال البطل وردود أفعاله، وهى أیضًا تتسم بالوضوح والبساطة، ولها دورها فی بناء القصة ؛ لأنها تلعب دورًا حیویًا فی حرکة البطل وتصویر الحیاة بدقة من حوله.

    وقد جسَّد الکاتب هذا النوع فی قصة "الضمیر" فنجد فیها شخصیة التمرجی عندما حدثه الطبیب قائلًا " یا زکی أنا ذاهب مع الدکتور صبار وسأعود بعد قلیل فمن له الرغبة فی الانتظار فلینتظر."[24]، فالکاتب هنا قد أشار إلى شخصیة التمرجی ذاکرًا اسمه فقط " زکی" دون أن یشارک بالرد مما جعله شخصیة مهمشة لا قیمة لها فی النص إلا بما یخدم البطل.

    وأیضًا شخصیة الخادمة التی تخدم الطفل ابن الدکتور صبار، التی أحضرها صبار من البلد، فوصفها بالقذرة التی تقوم على تمریض طفل مصاب بالحمى الشوکیة، ولم یعرها اهتمامًا بعد هذا الوصف البسیط.

    وفی قصة "اعترافات مریض" نجد الکاتب یذکر لنا شخصیة البواب بوصفها شخصیة ثابتة غیر نامیة، لیس لها من التأثیر فی أحداث القصة من شیء، غیر أنها تساعد البطل فی استکمال الحدث، فعندما جاء البواب إلى الطبیب یخبره إن عبد الستار أفندی یرید الکشف، فهنا نجد الکاتب یستعین بشخصیة البواب لموقف معین وهو إلقاء الضوء على الشخصیة الثانویة أو المحوریة دون المشارکة فی تطور الحدث، إذ لم یهتم الراوی بالحدیث عنه إلا من خلال ما أخبره به.

    وفی قصة "فنان" نجد الشخصیة المسطحة تتمثل فی دور الأم فی موقفها من تقدیم ابنها محمد أفندی العنابی لاستقالته من الحکومة، حیث أخذت تبکی دون أن یتطور الحدث من أجلها ولم یُعِد البطل ذکرها إلا بعد موتها.

    وفی قصة "مذکرات طبیب" تعددت الشخصیات السلبیة الثانویة کالتمرجی والجزمجی والخادم وابنه المریض وابنته الجائعة، فکل هذه الشخصیات ساندت البطل فی القیام بالحدث.

السمات الفنیة للشخصیة:

    تتبلور السمات الفنیة للشخصیة من خلال ما یسبغه علیها الکاتب من صفات، لعل أبرزها کما یحددها الدکتور طه وادى:

1- " أن یضع الکاتب للشخصیة اسمًا:  فالشخص غیر المعرف فی – اللغة والواقع نکرة مجهول الملامح، لکن الاسم یجعل الشخصیة (علمًا) – کما یقول النحاة. . والعلم کما یقولون أعرف أنواع المعارف وهذه التسمیة – وهى أبسط سمات الشخصیة – یجب أن تکون ملائمة لدور شخصیة المسمى فی الروایة. "[25]

    ففی قصة "دادة حلیمة" نجد تسمیة دادة حلیمة بهذا الاسم ملائمًا لشخصیتها الحنونة على الطفل "سعد"، وأنها کانت تعمل خادمة عند الباشا، والطفل سعد أُطلق علیه هذا الاسم یمنح الدادة حلیمة البهجة والسرور والسعادة.

    وفی قصة "على سفح المقطم" نجد الکاتب یطلق أسماء تتلاءم مع البیئة والظروف التی تعیشها الشخصیة، فهناک "عکرمة" و"عبدالکریم سنبو" فتلک أسماء تتناسب مع إجرام الشخصیة وتدنی ظروفها الاقتصادیة والاجتماعیة.

2-" أن یوضح الملامح الجسدیة والنفسیة للشخصیة"[26]، وتلک الملامح یجب أیضًا أن تتناسب مع الدور الفنی الموکل إلیها من قبل الراوی، ولیس من المقبول وصف الفتاة التی تحظى بحب وإعجاب الکثیر من الشباب بأنها قبیحة.

    وعندما نتأمل قصة "ناجی" نجده تارة یصف الشخصیة جسدیًا وتاره یصفها نفسیًا، وبین هذا وذاک، فیجعله وصفًا مناسبًا للشخصیة، وأدائها الفنی داخل النص.

    ففی قصة "أدرکنی یا دکتور" نجد الکاتب یصف بعض ملامح  الشخصیة الجسدیة من خلال النص على مدار السرد القصصی، فنجده یصف ذهنی عند نزوله من السیارة بعد تعطلها قائلًا "نزل منها شاب تبدو علیه متاعب السفر ومشقة الطریق الطویل، کان یرتدی بذلة "سبور" وقد تهدلت خصل شعره فی غیر نظام، وانتکش شعر شاربیه السمیک، کان فی صورته هذه یمثل المصارع بعد جولة قاسیة، عرق متصبب"[27].

    وهنا برع ناجی فی وصف البطل جسدیًّا بأوصاف تتلاءم مع الأحداث، وترتبط بالحدث ارتباطًا زمنیًا، وهو لم یکتف بوصف ذهنی فقط، فعند تصاعد الأحداث ونموها کان لابد من وصف نینی خطیبة ذهنی، فنراه یقول واصفًا إیاها " وکانت الفتاة ممشوقة القد فاتنة، ولکن فی جمالها نعومة وفی کلماتها أکثر من أنوثة." [28].

    ویبدو أن ناجی قد أتقن وصف مایسمی بالبعد الفیزیائی، الذی یشمل المظهر العام للشخصیة وشکله الظاهری، ویذکر فیها الراوی ملابس الشخصیة وملامحها وطولها وعمرها ووسامتها، ودمامة شکلها، وقوتها الجسمانیة، وضعفها، وهذا الجانب له أهمیة کبیرة؛ لأنه یساعد القارئ على التعرف على الجوانب الأخرى، فغالبًا ما یکتشف المتلقی المکانة الاجتماعیة للشخصیة من خلال ملابسها ـ.

    وفی قصة " قاهر النساء " یبدع الکاتب فی وصف شخصیة "ممدوح أفندی" وصفًا خارجیًا دقیقًا، حیث یقول "عرفت ممدوح أفندی سنة 1910م، ولن أنسى ما حییت وجهه البشع، ولا أنفه الغلیظ ولا وجهه الذی انتشرت فیه بقع الجدری، ولن أنسى ما حییت أناقته الممتازة، لقد کان کل یوم یغیر رباط عنقه، ومنادیله الحریریة، أقول منادیله لأنه کان یحمل واحدًا فی کمه وآخر فی جیب جاکتته من أعلى وآخر لاستعماله العادی، کانت تتغیر کلها کل یوم، کما کانت تتغیر البذلة، وکما کانت تتغیر  العصا، فهذه بمقبض ذهبی وهذا برأس فرس، وهذه منقوش علیها اسمه م.م بماء الذهب " [29]

    ومن خلال هذا الوصف الدقیق تتضح شخصیة ممدوح أفندی الذی کان یتسم بالغرور والغنى المزیف الذی کان یتوهمه ولا یعیشه، فقد عاش الکاتب بنظراته الفاحصة لدرجة أنه لم یترک شیئًا إلا وصفه، حتى یضع الصور المتحرکة فی نظر القارئ.

    وعندما نذهب إلى البعد النفسی نجده یستحوذ على بعض قصص ناجی، وهو عامل مؤثر فی الشخصیة، ففی قصة "فنان" نجد المعاناة النفسیة قد عرفت طریقها لدى العنابی عندما فشل فی أول حفلة موسیقیة، ولم یحضر أحد الحفلة وبعدها مباشرة تموت أمه فیتضاعف الحزن والألم علیه، ونرى الکاتب یصف حالته النفسیة وأثرها فی الأحداث قائلًا: " تمت إجراءات المأتم وعاد العنابی متعبًا مکتئبًا، فالتفت إلى زوزو قائلًا " خلاص إنتی مراتی وأمی وکل شیء، وأنا سأعود إلى الوظیفة، وسأحرق کل ما یتعلق بالموسیقى. " [30]، فنجد هذا الصراع النفسی الداخلی والخارجی الذی بدا على البطل إثر فشله ووفاة أمه، وحالة الیأس التی سیطرت على جوانب شخصیته، مما أثرت فی مجرى الأحداث، وجعلته یتخذ قرارات لا یدری نتائجها ولا تبعاتها المستقبلیة، ولا یدری أکان على صواب أم خطأ ؟ غیر أن الصراع الداخلی هو الذی دفعه إلى ترک الموسیقى والعودة مرة أخرى إلى وظیفة الحکومة.

3- أن تکون الشخصیة انعکاسًا وفیًا لصورة الواقع، ذلک أن رصد سمات الشخصیة یجب أن یتناسب مع الشریحة الاجتماعیة التی یقصدها الکاتب، ومن هنا " تتعدد الشخصیة الروائیة بتعدد الأهواء والمذاهب والأیدولوجیات والثقافات والحضارات والهواجس والطبائع البشریة، التی لیس لتنوعها واختلافاتها من حدود. "[31]

    ویتعدد نمط الشخصیة عند ناجی سواء أکان موظفًا، أم طبیبًا، أم فنانًا، أم محامیًا، أم مصورًا، أم مهندسًا، ولکن الکاتب کونه طبیبًا فقد انحاز إلى الأطباء، فأغلب القصص بطلها طبیب وکل هذه المراکز لها أهمیة فی بناء الشخصیات وتبریر سلوکها وتحرکاتها، فلکل مجتمع مشاکله، والأدب لابد أن یسخر فنونه لتحلیل الأوضاع الاجتماعیة والمشاکل الإنسانیة، وهذا ما کان ناجی یسعى إلى علاجه من خلال تعاطفه مع الطبقات الفقیرة، وقد ضرب ناجی نموذجًا للطبیب المحب لمهنته ذاتها، لا الذی یطلب عرض الدنیا من مزاولتها، وقد ظهر ذلک فی قصة "أدرکنی یا دکتور" حیث وجدنا ذهنی یتعاطف مع الطبقات البائسة الفقیرة على الرغم مما حدث له من جرائها.

    وفی قصة "الأقدار" یتعاطف الکاتب مع الطفل المریض فی بیت الشیخ خلف رغم الصعوبات التی یواجهها، وفی قصص أخرى نجده یعرض فساد المجتمع وانحلال أخلاق أفراده حیث تمثل ذلک فی قصة " من مذکرات طبیب" عندما حملت الفتاة ذات الطبقة الأرستقراطیة سفاحًا، وأرادوا إجهاضها، ولکنه رفض أن یخون مهنته ویخالف ضمیره المهنی وفی قصة "اعترافات مریض" یعکس الکاتب صورة من صور الانحلال الأخلاقی فی المجتمع، تمثلت فی السعی وراء العاهرات وبذل الأموال من أجلهن حتى جعلته یسرق ویصاب بأمراض لا یدری طریقة العلاج.

3- استلهام مبادئ علم النفس والفلسفة، وتوظیفها فی تحلیل الشخصیة من خلال الملاحظة الدقیقة لسلوکها وتصرفها إزاء الحدث، وتفسیر هذا السلوک من خلال تعریف تلک الشخصیات وإبراز ملامحها النفسیة وتحدید قسماتها السیکولوجیة.

    وقد تجلَّى ذلک فی أحداث قصة "تحلیل نفسی"، حیث ذکر الطبیب أنه کان عاشقًا لفروید ومنهجه، واستطاع بمهارة تطبیق منهج فروید على تلک السیدة الجمیلة التی عالجها بالتحلیل النفسی وشفیت حتى وقعت فی حبه کما حدث مع فروید.

    وفی قصة " أثر الماضی" بدأ الطبیب فیها میَّالًا إلى قراءة الفلسفة حتى جعل الفلسفة منهجًاهادیًا له فی فهم الشخوص والحکم علیهم على مدار الأحداث.

3ـ المکــان:

    المکان هو الإطار الذی تقع فیه الأحداث، و له أهمیة بالغة، وبدون المکان لا توجد قصة حیث لکل قصة شخوصها وأحداثها، وبالطبع فإن الفعل لا یتم فی الفراغ، أو اللامکان "والمکان عنصر من عناصر البناء القصصی الذی تدور فیه الأحداث وتتحرک الشخصیات، ویقوم بدور المناظر الخلفیة فی المسرح، کما یلعب دورًا أساسیًا فی إظهار المضمون الاجتماعی أو السیاسی للقصة، وقد یجعل الکاتب المکان مقدمة للقصة وتمهیدًا لها "[32]

    والمکان یصنع الشخصیات، کما أن الشخصیات تصنع أماکنها الخاصة بها، ولهذا فالمکان من العناصر المهمة فی الحدث أیضًا وفی اکتمال صورة العمل القصصی، حیث إننا لا یمکن أن نفصل بین عناصر القصة القصیرة فصلًا تعسفیًا، ولیس من المقبول أن نرجِّح عنصرًا على آخر من هذه العناصر، وهناک من ذکر أن تعریف القصة القصیرة یهتم بحدث معین فی زمن محدد ومکان من الأمکنة المحدودة، وقد نلمح المکان فی المقاطع الوصفیة التی تصف الإطار الذی یضم مجریات الأحداث، ونلمحــه کذلک فی حرکة الشـخصیات وتنقلاتها من مکان إلى آخر بالسفر أو غیر ذلک.

    والمکان هو الذی یمیز الکتابة الروائیة عن غیرها، وکان الشائع فی الکتابات الروائیة التقلیدیة تصویر المکان تصویرًا دقیقًا، بحث لا یجد القارئ شیئًا مما کان یرید أن یعرفه إلا وعرَّفه صاحب النص إیاه، ومن ثم لا ینطلق خیاله، أما حدیثًا فقد أصبح الروائیون الجدد لا یوردون کل التفاصیل الخاصة بالمکان، وذلک لإتاحة الفرصة أمام القارئ أن یطلق لخیاله العنان فی تصور المکان الذی تدور فیه الأحـداث.

علاقة المکان بالنص:

لقد حظى المکان باهتمام بالغ من الأدباء، فهو یُعدُّ محور أساسی داخل العمل الأدبی، والمکان یعبر بشکل کبیر عن مقاصد المؤلف حین یبدع فی التعبیر عن تلک المقاصد باستخدام عنصر المکان وحسن توظیفه، وأمَّا عن مراحل المکان عبر النص نجدها کالتالی:

  1. قبل النص:  حیث یشکل المکان دافعًا للإبداع.
  2. فی أثناء النص: حیث یدخل المکان فی نسیج النص من خلال حرکة السارد فی المکان.
  3. بعد النص:  یتعلق هذا الجانب بالمتلقی "القارئ" وطریقة تلقیه إشارات المکانیة التی یرسلها القاص، ویرتبط ذلک بقدرة الکاتب على" اختزان أمکنة مغایرة لما یعهده القارئ أو تقدیم المکان المعهود بصورة فنیة مختلفة.  "[33]

    وقد ظهر المکان بصورة متنوعة فی قصص "ناجی" فی عدة مواضع بارزة منها:

1ـ المستشفى              2ـ العیادة                 3. وسائل المواصلات

4. المسکن                 5. الطبیعة                 6ـ الاستودیو

7ـ المدینة                 8. الانتقال من مکان لآخر

ویمکن تفصیل ذلک على النحو الآتی :

1-المستشفى:

    فقد تنوع استخدام المستشفى فی قصص "ناجی" ما بین کونه محلًا للعلاج، وکونه مکانًا لممارسة مجاله المهنی، ففی قصة "دادة حلیمة" کان المستشفى هو موضع عمل الطبیب الذی اختاره للتغلب على ظروفه الاقتصادیة فی بدایة حیاته العملیة بعد تخرجه فی کلیة الطب، فتراه یقول " وکان أبی وأمی قد سافرا إلى الحجاز وأطالا إقامتهما هناک فکان لزامًا على أن أقبل أی عمل بالمستشفى ؛ لأنه لم یکن هناک من سبیل للعمل الحر ـ الذی کنت أوثره ـبدون المال. " [34]

    وفی موضع آخر یصف لنا المستشفى بکونه موضعًا لعلاج الکاتب إثر تعرضه لحادث لندن ودخوله المستشفى من أجل العلاج، فنراه یقول فی قصة أحلام الموتى "أفقت قلیلًا فی المستشفى، لا بل أفاق شخص آخر کان یختلف تمامًاعن شخص أثیرى یرى ویطوف ویعلم ویجوب البلاد." [35]

2-العیـــادة:

    نظرًا لکون ناجی طبیبًا فقد جعل أکثر أماکنه فی القصة هى العیادة ؛ لتکون الإطار الذی تتحرک فیه الشخصیات من أجل العلاج والراحة الجسدیة والنفسیة، فهناک تسع قصص کان الفضاء المکانی فیه هو العیادة وهى:( دادة حلیمة ــ أدرکنی یا دکتور ــ قاهر النساء ــ الذباب ــ الأقدار ــ اعترافات مریض ــ الضمیر ــ فقر وغرام ــ تحلیل نفسی )

    ولکن ناجی قد جعل من العیادة مکانًا لراحة المرضى، فکان من طبیعة عمله ورسالته أن یهیئ المریض نفسیًا قبل الخوض فی علاجه جسدیًا.

    ففی قصة " تحلیل نفسی " نجد براعة الکاتب فی وصف العیادة ووظیفة الطب من وجهة نظر الکاتب ؛ فیقول " أما هو فکان یزورنی فی عیادتی البسیطة المتواضعة فیعجب لهذا الزحام، وقد سألنی مرة عن السر فی نجاحی، فقلت له:  أنت تکتب تذکرة، وأنا أعالج النفوس. " [36]

    وفی قصة "اعترافات مریض" نجد أن العیادة کانت ملاذًا لـ "عبد الستار أفندی" عندما لجأ إلى عیادة الطبیب من أجل علاجه من البقع الزرقاء، التی ظهرت فی جسده، کما نجد معظم الأحداث فی قصة "وفاء" تدور حول العیادة والکلبة (بوبی)، فقد برز هذا المکان عنصرًا فاعلًا ورئیسًا فی سیاق الأحداث على نحو بدا فیه بطلًا یتقاسم البطولة مع البطل الرئیسی ؛ لأن الأحداث کلها تدور فی  العیادة.

3- وسائل المواصلات:

    وظَّف الکاتب وسیلة المواصلات بوصفها مکانًا لوقوع الحدث، وذلک فی قصة "تحلیل  نفسی"، حین التقى بالملاکم فی الترام وانتصر علیه وعلى غرور قوته، وفی قصة "أحلام الموتى" یستخدم الکاتب الباخرة مکانًا لعرض الحدث، فقد کانت جزءًا لا یتجزأ من الحدث الرئیس، فنراه یقول "بهذه الصورة رکبت الباخرة میلسانده التی سارت بنا صوب بورسعید، على أننا ما کدنا نصل خلیج سکاى حتى ثار البحر ثورة عنیفة. "[37]

    وفى قصة " غرام " نجد البطل یستخدم العربة التى استقلها مع المرأة المومس التى تشبه حبیبته لیلى- متجهًا إلى منزلها، فیصف ذلک قائلًا " وأخیرًا جرَّها جرًّا إلى عربة وسار بها إلى حیث لا یراه على، والواقع أن هذه المرأة کانت شدیدة الشبه بلیلى، فما کادت تمر حتى قام یجری وتبعها وأخذها فى عربة إلى منزلها. "[38]

4- المســکن:

    تعددت ألفاظ المسکن ما بین المنزل والبیت والکوخ والشقة، فنرى استخدامه لکلمة الکوخ فی قصة "أدرکنی یا دکتور" حیث موضع معیشة تلک الطبقات الفقیرة الکادحة، الذی کان محورًا لتغیر أحداث القصة من حال إلى حال، واستخدامه المنزل فی قصة "مذکرات طبیب" عندما قال " دعیت إلى منزل   باشا، لا أدری لماذا لم أطمئن إلى تلک الزیارة ؟ إنی على العموم لا أحب أن أزور منازل الأغنیاء ولا أفرح للمال الذى یبذلونه لی. "[39]

    وتظهر کلمة الشقة، فی قصة "قاهر النساء" حیث کانت وکرًا للنساء اللواتی یصیدهن.

5- الطبیعة:

    مع براعة ناجی فی استخدام العنوان دلیلًا على مکان القصة، ظهر ذلک واضحًا فی قصة "الریف"، حیث المکان الذی دارت حوله الأحداث ومنه تطورت، فقد کان ملجأ البطل هروبًا من المدینة ومکانًا للراحة، وقد جعل العنوان دالًا على المکان مما یجعل القارئ یستوحی الأحداث بناء على هذا العنوان حیث یقول: "هربت من المدینة أبتغی هدوءًا فی الریف، کانت المدینة قد أتعبتنی بضجیجها وأنوارها، وأصمت مسمعی بجلبتها وضوضائها، فرکبت القطار مسرعًا إلى عزبة عمی، فقد کان عمی ابتنى لنفسه صومعة کما کان یسمیها، وجعل حولها حدیقة وزرع بضعة أفدنة، وکان یهرب إلیها ویحتمی بهدوئها، وقد جعل هذه الصومعة وقفًا على ذلک الهروب، فکان لا یعطی مفتاحًا إلا للذی یقصدها طلبًا للراحة. .. وکانت الصومعة مطلة على رأس ترعة وعلى جرف الترعة شادوف وبجانب الشادوف ساقیة. ."[40]

    وفی قصة "فقر وغرام" یقص البطل قصة غرامه حول مائدة کازینو الحمام بجوار النیل، حیث کان تجمعه هو وأصحابه، فنجده یصف اللیل والنیل، ویجعل للنیل أمواجًا تتلاطم، ویصف تلک الطبیعة الخلابة قائلًا " کنا جماعة من الأصدقاء نجلس حول مائدة من کازینو الحمام بجوار النیل، کان اللیل هادئًا، والنیل ینساب صامتًا تتلاطم أمواجه على الشاطئ برقة کخطوات موقعة فی صالة رقص آخر اللیل حین تکل الأقدام وتفتر السیقان. . أخذنا نثرثر ونتضاحک أولًا، ثم سحرنا النیل واللیل والسماء الصافیة. "[41]

6- الاستودیو:

    کان ذلک فی قصة "میلاد عبقری" حیث کان المکان الذی دارت حوله القصة فی حارة سلیم الأول بالزیتون، فجاءت کلمة الاستودیو ؛ لتزید من تحدید العنوان بشکل دقیق.

7-المدینة:

    یعد سفح المقطم عنوانًا مکانیًا لإحدى قصصه التی برع فی تصویرها، وجعل المکان یحتل مکانة رفیعة المستوى، حیث سیطر على الشخصیات بأشکالها وأسلوبها، فیقول: " تمدد عکرمة ذو الساق الخشبیة على التل الجاثم فی ظلال المقطم بعظمة ومدَّ عینیه فی اللیل المخیم على الصحراء کأنه یحکم هذه البقاع الصامتة. "[42]

    وفى قصة " وفاء " یتجلَّى وصف المکان والاحتفاء به عن طریق إعطاء صورة کاملة عنه بأبعاده المختلفة، حیث استطاع الکاتب أن یرسم لنا مدینة دمیاط بما تحویه من بیوت یظللها القمر، فیقول " کانت اللیلة رائقة والقمر یسبح فى السماء کشراع فضی فى غیاب هادئ لیلة من لیالی دمیاط، حیث ینام الناس مبکرین جدًا، وحیث یطلُّ القمر على بیوت تضم قومًا لا یهمهم أن یطلع القمر أو لا یطلع، تجمَّلت الطبیعة و بدت جرداء کالحة. "[43]

8- الانتقال من مکان إلى آخر:

    وفی قصص ناجی نجده یتنقل بقصته من مکان إلى آخر، محدثًا تأثیرًا واضحًا فی الأحداث والشخصیات مما قد نسمیه بازدواجیة المکان، وقد نصل إلى ثلاثیة المکان، ففی قصة "دادة حلیمة " نجده یذکر المستشفى التی اضطر أن یعمل به، ثم یترکه ویحصل بعده على عیادة بالعتبة، وهنا نجد أن الانتقال من مکان إلى مکان آخر یصحبه تطور فی الأحداث وتغییر فی مجریات القصة.

    وفی قصة "الضمیر" نلمس تعدد المکان ؛ حیث الانتقال من العیادة إلى منزل الدکتور (صبار)، یقول ناجی:" دخلت البهو عدوًا فإذا الدکتور "صبار" بین الواقفین فی البهو فمشى إلى فی قلق مزعج وصاح بی، وقد نَسِیَ أن یصافحنی "عاوزک حالًا تشوف ابنی. "[44]

    وبعد هذه العرض یتضح أن المکان عند ناجی لم یأت معزولًا عن غیره من العناصر السردیة الأخرى، ولکنه عنصر حیوی یتفاعل مع بقیة العناصر الأخرى، فیؤثر فیها وتؤثر فیه، ومن ثم أصبح المکان قادرًا على تنظیم حرکة الشخصیات وعلاقاتها وحرکتها داخل مجریات الأحداث.

4-الزمـان

   الحدث هو الفعل القصصی الذی تقوم به الشخصیة فی زمان ما ومکان ما على امتداد  النص، لتعطی فی النهایة قصة تمثل تجربة إنسانیة، ومن هذا المنطلق یتضح أن الزمان له دور فعَّال وبارز فی العمل الروائی منذ بدایته إلى نهایته، ویمکن القول إن الزمن هو تلک اللحظة الهاربة نحو الماضی، على حین ینبع الحاضر من معین لا ینضب هو المستقبل ؛  لیصب فی وعاء لا یمتلئ ولا یفیض هو الماضی، حیث یختزن فی الذاکرة لحین استرجاعه من خلال التذکر.

    ولا یقدم الحدث الروائی إلا مصحوبًا بجمیع عناصره الزمانیة والمکانیة، التی یستحیل على السارد أن یؤدی رسالته الحکائیة بدون هذه المعطیات بمعنى " أن کل قصة تقتضی نقطة انطلاق فی الزمن، ونقطة إدماج فی المکان، أو على الأقل یجب أن تعلن عن أصلها الزمانی والمکانی معًا، فالروایة القائمة أساسًا على المحاکاة لابد لها من حدث، وهذا الحدث یتطلب بالضرورة زمانًا ومکانًا. "[45]

    وبناءً على ذلک ؛ فإن الزمن هو ضابط الفعل القصصی وبه یتم حدوثه، وعلى نبضاته یسجل الحدث وقائعه، وکما أن الفضاء الروائی لا یعیش منعزلًا عن الحدث، فهو یرتبط بزمن القصة ویقدم صلات وثیقة مع باقی المکونات الحکائیة فی النص الروائی، وتأتی فی مقدمتها علاقته بالحدث الروائی والشخصیات بأنواعها، " فالشخصیات تحتاج مکانًا لحرکتها، والزمن یحتاج مکانًا یحل فیه ویسیر منه أو إلیه، والأحداث التی لا تحدث فی الفراغ وسردها یستحیل إذا تم اقتطاعها وعزلها عن الأمکنة، فلا شیء یجری مالم یجد ما ینشئ جریانه علیه، وأیَّا کانت السیرورة الروائیة زمنیة، أو مکانیة، أو نفسیة، أو سیاسیة. ..إلخ، فإن السیرورة تحتاج مکانًا تسیر فیه."[46]

    ومعنى ذلک أن التغیر الزمنی فی العمل القصصی الذی یوظفه کاتب القصة القصیرة لا یتعارض مع الشکل الفنی، ولکن الذی یتعارض معه هو سوء استخدام الزمن فی فضاء العمل أو الجهل بطریقة توظیفه، حتى یکون فی خدمة الحدث ولا یُحدث أی خلخلة داخل العمل  الفنی، وبناء على هذا فإن کل مادة حکائیة ذات بدایة ونهایة تجری فی زمن ما، سواء أکان هذا الزمن مسجلًا أم غیر مسجل، حیث یدخل فی علاقة تفاعل مع المکان داخل الخطاب الروائی، الأمر الذی جعل "میخائیل باختین" یستعیر من مجال العلوم الطبیعیة مصطلح "الکرنوتوب"  chromotope الذی أطلق علیه بعض نقاد النظریات الأدبیة "الزمکانیة" [47]، أدخله مجال الأدب ؛ لیثبت مدى العلاقة الوثیقة بین الزمان والمکان.

    وترتبط القصة القصیرة بالزمن السردی ارتباطًا وثیقًا فهو یُعدُّ من العناصر الأساسیة، التی یقوم علیها فن القص، فإذا کان الأدب یعتبر فنًا زمنیًا إذا صنفنا الفنون إلى زمانیة ومکانیة، فإن القصَّ هو أکثر الأنواع الأدبیة التصاقًا بالزمن، حیث تعیش الشخصیات الحاضر، وتعود بالذکریات للماضی، وتقفز طامحة نحو المستقبل.

    وهناک تقنیتان تتعلقان بالزمن السردی وهما: الاسترجاع والاستباق، ونجد "ناجی" قد أجاد تسویق الزمن بنوعیه عبر أحداث القصة، دون أن یحدث أی خلخلة بالعمل الفنی.

أولا -: تقنیة الاسترجاع:

    الاسترجاع هو ذکر أحداث وقعت سابقًا، وقد یکون داخلیًا یتمثل فی الرجوع إلى أحداث ذکرت فی القصة، أو خارجیًا یکون بالرجوع إلى أحداث وقعت خارج القصة " وعملیة الاسترجاع قد تستدعی لحظة عابرة. .. أو موقفا محدد الطول نسبیًا، أو قد تستدعی الجزء الأکبر من أحداث الروایة. "[48]

    وقد یأتی الاسترجاع فی قصص "ناجی" من أجل:

أ- زیادة اطلاع المتلقین على معلومات عن الشخصیة المسترجعة أو ما یرتبط بها.

ب- إدخال شخصیة جدیدة أو حدث درامی.

ج- الربط بین أزمنة الحدث الثلاثة:  الماضی، الحاضر، المستقبل.

د- التوصل إلى حل أزمة، أو مشکلة، أو توضیح موقف مستندًا إلى حدث قد مضى.


والاسترجاع ینقسم إلى قسمین:

(أ‌)     استرجاع کلی:

    والاسترجاع الکلی تقنیة تجعل القصص تدور أحداثها فی الماضی، ویعتمد الزمن فیها على الاسترجاع الکلی، حیث یبدأ الکاتب بروایة الأحداث من آخرها، ثم یعود لیرویها من البدایة بطریقة الاسترجاع)  ( flash back، وترى الحکایة کلها فی الماضی ولکنها تسیر مسیرة الزمن التاریخی الممتد طولًا فی اتجاه واحد، ویظهر هذا النوع فی قصص "ناجی" وبخاصة فی قصة "أحلام الموتى"، فنجده یستهل قصته قائلًا: "کنت عائدًا من إنجلترا بعد أن انتهت مدة البعثة التی قررتها لی وزارة المعارف، وکنت قد حصلت کل الشهادات التی کان على أن أظفر بها هناک، غیر أنه حدث قبل رحیلی عن لندن بیوم واحد أعنی فی المیعاد المقرر لسفری أن صدمتنی سیارة کانت تسیر مسرعة، طرحتنی أرضًا ثم رجعت أدراجها فمرت على مرة أخرى. " [49] ومن خلال هذا العرض یتضح أن الکاتب قد استهل حدیثه بالعودة إلى مصر بعد انتهاء بعثته فی إنجلترا، ولکنه یعود مرة أخرى بذکر ما حدث فی تلک البعثة، وبخاصة الحادث الألیم الذی تعرَّض له فی أثناء البعثة، وهنا نجده یجید استخدام الاسترجاع الکلی بصورة جیدة أتاحت للقارئ شیئًا من التشویق وإضفاء المتعة على العمل الفنی.

    وفی قصة "الذباب" یظهر هذا النوع من الاسترجاع جلیًّا عندما یستهل حدیثه قائلًا:  "کان الدکتور حکیم شغوفًا بقراءة التاریخ الطبیعی، یجمع کل ما تصل إلیه یده من المؤلفات فی هذا الفن. "[50]، ثم ینتقل الکاتب بعدها إلى عرض ذکریات البطل قائلًا: " وفی عهد القصة التی نحن بصددها کان فی الثلاثین من عمره، وقد نشأ فی عائلة فقیرة، ولکنها من العائلات التی تستر فقرها بصلاحها، وتداری خصاصتها بکبریائها "[51]، ثم یبدأ فی عرض تفاصیل قصة حکیم أفندی وعلاقته بالباب وتفاصیل عائلته إلى أن یصل الکاتب إلى ما بدأ به قصته.

    وفی قصة " من مذکرات طبیب " یقسِّم الکاتب الحدث فی المضی إلى أربعة أیام، بتواریخ محددة فی سیاق الاسترجاع الکلی لحادثة تعرض لها قائلًا:

" 2/ دیسمبر، دعیت إلى منزل باشا لا أدری لماذا لم أطمئن إلى تلک الزیــارة. . قلت للجمیع أرید أن أخلو بإحداکن، فتقدمت السیدة المتکبرة فملت على أذنها قائلًا إن البنت حبلى. "[52] وهذا عرض المشکلة فی الیوم الأول.

    ثم یستطرد قائلا فی الیوم الثانی:  " 3/ دیسمبر، هذا یوم فظیع قضیته کله تقریبًا أنظر من نافذة العیادة. ..... جاءنی التمرجی وأخبرنی أن زائرًا (دفع الکشف) ویرید الدخول. "[53]

    ثم فی الیوم الثالث یعرض حالته بعد أن اقتضی خمسین جنیهًا من أجل القیام بعملیة الإجهاض فیقول:  "4/ دیسمبر، لم أنم لیلة أمس معی خمسون جنیهًا تریحنی من النحس حینا ما، تریحنی من انتظار الزبائن الذین لا یجیئون وترحمنی من استجداء القدر. "[54]

    ثم یتحرک الکاتب بالزمن حتى یصل إلى محطة النهایة قائلًا:  "وفی 5/ دیسمبر  لم أنم فی حیاتی لیلة أهدأ من لیلة أمس. ..... لا أدری ما حدث بالضبط، وجدت نفسی أتناول کرسیًا أضرب به الکلب وأطرده. " [55]

    ومن خلال هذا العرض الزمنی لأحداث القصة نجد أن الزمن لعب دورًا بارزًا فی تحریک الأحداث.

    وفی قصة "تحلیل نفسی" نجد کل أحداث القصة بدأت وانتهت فی الماضی، ثم یبدأ فی استرجاعها عن طریق “ flash back” ، ولهذا فإننا عندما ننظر جملة إلى قصص "ناجی" نجد أن معظمها قد انتهت فی الماضی، ثم عاد لیقصها فی  الحاضر.

(ب‌)              الاسترجاع الجزئی:

    الاسترجاع الجزئیهو تقنیة تدور أحداث قصصها فی الزمن الحالی، ثم تعود بعدما یقترب السرد من نصفه تقریبًا إلى استرجاع أحداث مهمة  ترتبط بلحظة  متأزمة، تعیش فیه الشخصیة الحواریة، ثم تعود الأحداث مرة أخرى إلى الحاضر ؛ لتعیش المستقبل، وهذا النوع من التقنیات لا یظهر بکثرة فی قصص "ناجی"، وکما قلت مسبقًا إن معظم القصص تعتمد على الاسترجاع الکلی، ومن أمثلة القصص التی تعتمد على الاسترجاع الجزئی قصة "أدرکنی یا دکتور"، حیث یسیر الزمن فی اتجاه واحد حتى یجعل الکاتب "نینی" تعود بالذاکرة إلى کلام قد قالته مسبقًا لخطیبها "ذهنی" فنجده یسیر کالتالی:  " قالت المرأة " إن البندقیة مع زوجی" فارتمت نینی على قطعة من الخشب متهالکة، وفی بالها ما طالما جرى من الجدل بینها وبین ذهنی عن أمر هذه الطبقات الفقیرة، کانت تصیح به:  إنهم لصوص بالفطرة، فیصیح لها بل بالضرورة یا "نینی". "[56] ثم تعود مرة أخرى إلى القصة ؛ لتسیر الأحداث فی مسارها الطبیعی.

     وفی قصة (اعترافات مریض) یسیر الزمن إلى الاسترجاع الجزئی الذی وقع فی نهایة القصة، عندما بدأ عبد الستار أفندی فی تقدیم اللوم للطبیب ؛ لکونه لم یسعفه فی منزله واضطر عبد الستار أفندی للذهاب بنفسه للعیادة رغم تعبه، وفی عرض الزمن نجده یسیر کالآتی:  "وقام مضطربًا فخلع ثیابه بسرعة وبشکل عصبی مضحک، فرأیت حقیقة بقعًا زرقاء کل بقعة فی حجم الریال تملأ جسده کله، قمت بفحصه فحصًا دقیقًا فلم أهتد إلى شیء، لم أجد فی ذهنی غیر کلمتی مغص وبقع.  "[57]، وبعد ذکر الحدث نرى الکاتب یستخدم وسیلة الاسترجاع الجزئی ؛ للوصول إلى التشخیص السلیم ومعرفة تداعیات هذه الأعراض التی ظهرت علیه، وهنا یبدأ عبد الستار أفندی فی عرض حکایته الغریبة التی حدثت فی الماضی مما یسَّر الأمر وجلى الغموض لمعرفة سبب ما آل إلیه عبد الستار افندی، ثم نجد عبد الستار افندی یعود مرة أخرى إلى الحاضر وإلى مجرى الحدیث مع الطبیب متسائلًا:  " فما هو السبب یا دکتور ؟، قلت:  أولًا الشبشب. .. وثانیًا دواء الصراصیر... وثالثًا الجرح. .. مسکین یا عبد الستار.  "[58]

    وفی قصة "حب عذری" یتحدث الکاتب عن الزمن بالبارحة ثم المساء، ویتنقل بالزمن الاسترجاعی مع بهىجة زوجة ابنه، ویتذکر محبوبته سمیرة مدونًا ذلک فی خطاب، لکنه مات قبل أن یکمل  الخطاب، ثم تأتی بهیجة وتقول " لقد رأیته الیوم وهو فی أحسن حال، أترانی قد جنیت علیه. .. لقد أخذت أحادثه عن الحب والعواطف، وأتهمه وأتهم الشیوخ بالخمول. . حتى أشار إلى هذا المکتب ففتحته فوجدته خالیًا إلا من صورة امرأة. "[59]

ثانیًا:  تقنیة الاستباق:

    الاستباق هو" تجاوز النقطة التی وصل إلیها السرد والقفز إلى نقطة لم یصل إلیها بعد."[60]، أی أن الکاتب یرید أن یستخدم عنصر التوقع لما سیحدث بعد معتمدًا على بعض الأحداث التی جرت فی الماضی والحاضر، " أی تداعی الأحداث المستقبلیة التی لم تقع بعد، واستبقها الراوی فی الزمن الحاضر (نقطة الصفر) أو فی اللحظة الآنیة للسرد. "[61]

    وتتنافى هذه التقنیة مع فکرة التشویق التی تکون العمود الفقری للنصوص القصصیة التقلیدیة، التی تسیر قدمًا نحو الإجابة عن السؤال ثم ماذا ؟

    ففی قصة "دادة حلیمة" یظهر ذلک فی قوله:  "وکانت هى تقول " سعد ده التمرجی بتاعک لما یکبر "[62]، ثم نجده یعود إلى أحداث القصة مرة أخرى.

    وفی قصة " تحلیل نفسی " نجد أن الکاتب یتوقع حدثین مهمین فی القصة الأول عندما قال: " وکانت أمنیتی الکبرى أن "أکون فروید مصر، ولکن شیئًا واحدًا کان یخیفنی هو أن یحدث ما حدث لصدیق فروید "[63]، وهنا نجد أن توقع الطبیب للحدث الذی سیقع بعد ذلک کان فی موضعه الصحیح، وهو أن یقوم المریض بالتعلق بالطبیب بدرجة تصل إلى  درجة الحب الشدید، وهذا ما حدث معه بالفعل فنجده یصفه کالآتی:  "غیر أن الذی حدث أنها تحولت إلى بقلبها وأحبتنی حبًا جنونیًا، وصارت لا تبارح عیادتی أبدًا، وحرت ما أصنع فی هذا ولم یکن خوفی من حضورها، وإنما کان خوفی من ملاکمها الشهیر، وقد حدث ما توقعت، فإن المفتش الملاکم دفع بابی ذات یوم وبکل وقاحة أنذرنی إذا عدت للاتصال بهذه السیدة. "[64] وهذا کان التوقع الثانی الذی تحقق بالفعل بعد ذلک.

    وبهذا نستطیع القول إن ناجی استطاع أن یوظف الزمن بوصفه آلة من آلات تحریک الحدث والشخصیة معًا وبث الروح القصصیة داخلها؛ ولذلک فالإطار الزمنی مرتبط بتجربة الحدث ارتباطًا منطقیًا، أی أن طبیعة الحدث وطاقته النفسیة هى التی تتدخل فی تحدید الزمن طولًا وقصرًا وفی الإحساس بواقعه، سواء أ کان الزمن بالسنین، أم بالشهور، أم بالأیام، أم بالدقائق.

    والزمن شیء یصعب الإمساک به، وتدرکه عقولنا ولا نستطیع إدراکه بحواسنا، ولکنا قد ندرک آثاره التی یعتقد البعض أنها الزمن، فنحن نرى حرکة عقرب الثوانی بینما لا نستطیع أن ندرک حرکة عقرب الساعات بالسرعة والدقة نفسها.

 

5 ــ الحبکة القصصیة

    تمثل الحبکة القصصیة الهیکل الأساس فی العمل الروائی، وهى من العناصر الدرامیة فی النص، والحبکة ((plot هى " حرکة حیویة تحوِّل مجموعة من الأحداث المتفرقة إلى حکایة واحدة متکاملة ضمن إطار حدث رئیسی، وهى لا تتکون من ترتیب الظروف بل من تقدمها وتراجعها وتطورها وتحولها من حال إلى حال جدیدة. "[65]، وتعقیبًا على ذلک أنه إذا کانت الحکایة هى مادة القصة من خلال النص المکتوب، فإن الحبکة هى العنصر الذی یربط بین أجزاء تلک الحکایة عبر مجریات أحداث القصة.

    والحبکة عند (فورستر) هى ترتیب الأحداث فی الزمن مع الاهتمام بالأسباب فنراه یقـــول:" لقد عرَّفنا القصة سابقًا بأنها سرد حوادث مرئیة حسب التسلسل الزمنی، أما الحبکة فهى أیضًا سرد حوادث مع ترکیز الاهتمام على الأسباب. " [66]، ومن خلال هذا التعریف تتضح العلاقة الوثیقة بین الحبکة، ومعرفة الأسباب التی أدت إلى تلک الأحداث خلال العمل القصصی.

    وتتنوع الحبکة القصصیة فی قصص " ناجی " بین الحبکة التقلیدیة، حیث تسیر الأحداث بشکل طولی تنتظم فی بدایة ووسط ونهایة، وعند النهایة یحسم الصراع،  والحبکة غیر التقلیدیة حیث تبدأ أحداثها فی الوسط أو فی النهایة.

     والحبکة هى المجرى العام الذی تجری فیه القصة وتتسلسل الأحداث على هیئة متنامیة، ویتم هذا بتضافر عناصر القصة جمیعًا، وقد استطاع ناجی أن یقص الأحداث بمهارة وتسلسل دون اللجوء إلى الحشو أو الاستطراد أو التناقض أو التکرار مما أعطى العمل الفنی قیمة عظیمة.

    والحدث الدرامی الذی یبدأ من نقطة ما یشکل بدایة حبکة النص التی ستستمر وتتطور عبر سلسلة من الأزمات المعلولة وصولًا إلى أعلى مراحل تضاعیف الحدث حتى تصل الأزمة ذروتها " وعادة ما یحدث تحول فی مجرى الحدث بعد بلوغه ذروة تأزمه. "[67]

وقبل الخوض فی قصص "ناجی" للکشف عن ملامح الحبکة فیها، کان لابد من الإجابة عن بعض الأسئلة وهى:

-        ما الصراع الذی تدور حوله الحبکة ؟ أهو داخلی أم خارجی ؟

-        وما أهم الحوادث التی تشکل الحبکة ؟ وما التغیرات الحاصلة بین بدایة الحبکة    ونهایتها ؟

    ومن هذا المنطلق یتضح لنا أن الحبکة القصصیة تسیر بمنحنى عرض الحدث، ثم أزمة الحدث (العقدة)، ثم عرض الحل، فالحبکة باختصار هى عرض الفکرة فی صورة حکایة، لها بدایة ولها  نهایة.

 

 

 

 

ومن هنا فإن عناصر الحبکة تتمثل فی الآتی:

1-البـــــدایة ((the beginning

   إن البدایة هى مرحلة المواجهة الأولى مع القارئ، ولذا یجب أن تشتمل على ما یشجعه على قراءة   القصة ؛ لأن البدایة الضعیفة للقصة ستؤدی إلى انصراف القارئ عنها وعدم قراءتها.

    ولا بد للقاص أن یراعی أهمیة التشویق والإثارة فی مطالع القصة الفنیة؛ وذلک لأن براعة الاستهلال تجذب القارئ إلى متابعة الأحداث التالیة، ولیس کل کاتب یملک القدرة على جذب انتباه القارئ لمتابعة القراءة، حیث " تشکل بدایة الروایة مکانًا استراتیجیًا فی النص یحدد طریقة القراءة، ویوازن بین مهتمین متنافسین: المعرفة والتشویق. "[68] وقد یکون عنوان القصة مثیرًا للانتباه ویحث القارئ على متابعة القراءة، ولهذا کان من الواجب على القارئ حسن اختیار العنوان.

 

2- الصـراع ( (conflict:

    یطلق علیه التدافع، وهو الذی یولد حرکة الأحداث فی القصة، وقد یکون الصراع خارجیًا بین شخصیات القصة، أو صراعًا داخلیًا ینمو فی الشخصیة ذاتها من خلال حیرتها، وترددها بین المواقف المتباینة، ویمکن تعریف الصراع بأنه "الشحنة الرئیسة التی یملک بها الأدیب خبایا الإنسان المعاصر، وهو الشحنة التی تنتقد الوجدان المتعب من الاستسلام أمام الأمر الواقع. "[69] ولهذا فالصراع هو الأمر الجوهری الذی یجعل الأدیب قادرًا على الغوص فی داخل الإنسان، ویحفزه لمحاربته والتغلب علیه، وتقوم الصفات النفسیة للأفراد بدور کبیر فی وقوع الصراعات الکبیرة، وذلک بسبب الاختلافات بین الأفراد، حیث إن لکل فرد أهدافه، ومیوله، ورغباته التی تختلف من فرد لآخر.

3-العقدة ( لحظة التأزم ) ((node

    العقدة هى المشکلة الرئیسة فی القصة، وتنشأ بفعل الأحداث الصاعدة، حیث تتأزم الأمور ویتحول موقف البطل إلى حالة من الضعف أو الخوف، ویمکن تعریفها بأنها تشابک الحدث وتتابعه حتى یبلغ الذروة، وهى تمثل ذروة الصراع بین البطل والبطل المضاد ، وعقدة القصة تجیب عن سؤالین وهما:  ماذا بعد ؟ ولماذا ؟ ویشترط فی العقدة أن تتضمن صراعًا قدریًا، أو ناتجًا عن ظروف اجتماعیة، أو صراعًا یقوم بین الشخصیات الموظفة وهذا ما ذهب إلیه  ناجی، لکن هناک بعض القصص قد ضعفت فیها العقدة بشکل کبیر، مما جعل الکاتب یشعر وکأن القصة بلا عقدة.

4 ـ لحظة التنویـر:

    عندما تتراکم السحب فی السماء الزرقاء الصافیة، وتتجمع أشتاتها وتغیب شمس النهار ؛ لیختلط الأمر على کثیر من الناس: فإما أن تشرق الشمس، وإما أن تهطل الأمطار، وإما أن تعود السماء لما کانت علیه، کذلک لحظة التنویر فی العمل الأدبی، أی بعد ذروة التأزم التی تتمثل فی نشوب العقدة تنحدر القصة بشکل أسرع نحو النهایة أو الحل، الذی قد یوافق توقعات المتلقی وقد یفاجئه دون الخروج عن السیاق الطبیعی لتطور الأحداث، وقد عرَّفها الدکتور ( رشاد رشدی ) بأنها " النقطة التی تتجمع فیها وتنتهى إلیها خیوط الأحداث کلها، فیکتسب الحدث معناه المحدد الذی یرید الکاتب الإبانة عنه. "[70]

    ومن الممکن تخمین لحظة التنویر من خلال ممر باب الحدث، والکاتب الذی لا یخطط للحظة التنویر لیس ببارع ؛ لأنه أشبه بمن یبنی بیتًا ولا یؤسس له ویترکه للظروف، کما أن الإتیان بلحظة التنویر مرة واحدة یُعدُّ خللًا فی بناء العمل، ولا بد من تحری الدقة فی أن تأتی لحظة التنویر فی موضعها المناسب، حتى لا یحدث أی خلل بالعمل الفنی، ولیست النهایة عملیة ختام لأحداث القصة فحسب، بل إن فیها التنویر النهائی للعمل القصصی الواحد المتماسک، ومن خلالها یقع الکشف النهائی عن الشخصیات.

    فعندما نرتقی بالحدیث عن قصص " ناجی " نجد أن کثیرًا من قصص " ناجی " یغلب علیها عنصرا التشویق والإثارة اللذان یجعلان من نهایة القصة عنصرًا مهمًا یکتمل به معنى الحدث، وعند الولوج إلى قصص "ناجی" للبحث عن الحبکة نجد براعة الکاتب فی رسمها وتصویرها بشکل تسلسلی مصبوغًا بالتشویق والإثارة ؛ لجذب انتباه القارئ نحو العمل الفنی.

    ففی قصة " أدرکنی یا دکتور " نجد أن العنوان کافٍ بوصفه براعة استهلال أن یقوم بنقطة البدایة التی تبث فی القارئ عنصری التشویق والإثارة، فبدأ الحدث بتعطل السیارة فی مکان موحش یغلب علیه الصمت الرهیب، ثم نجده یصل إلى أحد الأکواخ باحثًا عن الماء للسیارة، ثم بدأ الصراع بین تلک المرأة ونینی ولکنه صراع بارد ؛ لأن نینی لم تواجهتلک المأساة، واستسلمت لها، وتحوَّل الصراع الخارجی إلى صراع داخلی من خوف شدید، ثم تشتد الأزمة أیضًا عندما جُرِّد نینی وذهنی من کل متاع کانا یلبسانه، وتأتی مرحلة الانفراجة أو لحظة التنویر عندما أشار لهما الرجل عن الطریق، وأعطاهما الماء، وأدار ذهنی السیارة هاربًا کأنه یفلت من براثن موت محقق حتى وصلت السیارة أمام العیادة، وانتهت القصة بنهایة أراحت القارئ.

    وفی قصة " الضمیر " نجد أن البدایة تجذب انتباه القارئ، عندما بدأ القصة بقوله:  " حدثنی صدیقی وهو ینفث دخان سیجارته، قال:  فی سنة 1932م کانت الحمى المخیة الشوکیة منتشرة فی مصر انتشارًا مریعًا، وقد ذهب کثیرون من أعزائنا ضحیة لها، مدت جناحیها على القطر کعقاب کبیر مخیف. . کغمامة قاتمة تنشر ظلًا تسری فیه أشباح القلق والرعب والظنون.  "[71]

    ثم نجد الکاتب یتطرق إلى الحدیث عن الحمى المخیة الشوکیة لیبث الروح فی أحداث قصته، وذلک عندما أتى الدکتور صبار مستنجدًا بالطبیب لإنقاذ ابنه المریض بالحمى المخیة الشوکیة، وتبدأ الأحداث فی التأزم عندما یصل الطبیب إلى بیت الدکتور صبار، ویجد ابنه فی حالة متأخرة نتیجة حقنة الإسترکنین التی أعطاها له ؛ لیریحه من عذاب الألم الذی وقع فیه، ثم تبدو النهایة ملائمة للأحداث حیث نتیجة لذلک مات الطفل فصور الکاتب هذا المشهد بشکل درامی قائلًا " وفی الیوم التالی سرت جنازة صغیرة من تحت نافذتی، وبعد أسبوعین استدعیت لأعود صبارًا فوجدته یهذی قائلًا یا أبی لمَ قتلتنی؟ " [72] فما أصعب تلک النهایة على عاطفة القارئ ! وما أشدها تأثیرًا علیه ! ودخل الدکتور صبار مستشفى المجانین مرددًا عبارة " یا أبی لِمَ قتلتنی. " [73]

    وفی قصة " الأقدار " یبدأ الحدث بهرولة الطبیب ؛ لإنقاذ الطفل الفقیر رغم   تعبه، وقد تعددت الأزمات فی هذه القصة الأولى عندما خرج الطبیب ولم یجد السائق، فاضطر إلى أن یقود السیارة بنفسه، وکان على القارئ أن یتوقع نتیجة  ذلک، ثم نجده یتعرض للأزمة الکبرى التی اشتد فیها الصراع، ووصلت العقدة إلى ذروتها عندما اصطدمت سیارته بسیارة سیدة متهورة وتحطمت سیارته، وهنا یسأل القارئ:  کیف سینقذ الطفل ؟ وهل یستطیع التغلب على کل تلک الصعوبات من التعب وتحطم  سیارته ؟ إلى أن یجبر تلک السیدة على أن توصله بسیارتها إلى ذلک الطفل المریض، ومن هنا تبدأ النهایة التی حسمها فی أداء الواجب، ودخول البهجة والسرور على المتلقی قائلًا " حقن الطبیب الطفل بالمصل ثم أعطاه حقنة کافور وجرعة دواء منبه، فلم یلبث الدم أن جرى فی وجنتیه، وتنهد الطبیب مرتاحًا یقــول لقـد أدیت واجبی. " [74]

    وتظهر الحبکة بکامل عناصرها فی قصة " من مذکرات طبیب " ؛ حیث نجد الکاتب یعرض مذکرة من إحدى مذکراته، فیبدأ سرد قصته بطریقة مشوقة قائلًا: " دعیت إلى منزل باشا، لا أدری لماذا لم أطمئن إلى تلک الزیارة.  "[75]

    ثم تتطور الأحداث وتصل إلى شدتها وذروتها عندما قال: " قلت للجمیع أرید أن أخلو بإحداکن، فتقدمت السیدة المتکبرة فملت على أذنیها قائلًا: إن البنت حبلى صرخت فی ریاء " یادهــوتی " ایه الکـلام ده ما عندناش حاجــة زی دی، دی عیلة شریفة یا  دکتور ؟ "[76]

    وتشتد الأزمة والصراع الداخلی بین الطبیب ونفسه، عندما أخذ خمسین جنیهًا من أجل القیام بعملیة الإجهاض، بید أن ضمیره المهنی ِأخذ یتصدى له وفقر أسرته شبح ینخر یتصدی له، وأخذ الشبحان یتصادمان وتشتد حدة الصراع حتى وصلت إلى ذروته، وبعدها تبدأ تجلیات النهایة عندما تأتی الأسرة فی الیوم الرابع من أجل أن یقوم الطبیب بعملیة الإجهاض، لکن النهایة تأتی بمفاجأة للقارئ عندما رفض الطبیب مخالفة شرف المهنة، والقیام بتلک العملیة وتنتهى الأحداث بقوله: " لا أدری ما حدث بالضبط.  وجدت نفسی أتناول کرسیًا أضرب به الکلب وأطرده، وأضع له فی جیبه الخمسین جنیهًا، ورأتنی أطرد عائلة الباشا، وألقىبهم فی الشارع کوحش ثائر. " [77]ومن خلال هذا المشهد یتضح مدى حدة الصراع الداخلی والخارجی للبطل التى انتهت بانتصار الضمیر والأخلاق المهنیة واحترام شرف وأمانة مهنة الطب لیعطی هذا الصراع طابع الأخلاق.

الخاتمة

    وخلاصة القول فإن ما تمَّ عرضه سالفًا من عناصر البناء الفنی فى قصص إبراهیم ناجی یوضح أن أعمال ناجی القصصیة رغم أنها کانت فی باکورة نشأة فن القصة إلا إنها وصلت إلى حد کبیر من اکتمال عناصرها الفنیة، ویمکن أن نستعرض أهم النتائج التى توصل إلیها الباحث ومنها:

1- إن تقییم الأعمال القصصیة عند ناجی قد ارتقت بعضها إلى فن القصة ؛ لاکتمال عناصرها من الشخصیات والزمان والمکان والحبکة القصصیة إلا فی القلیل من القصص التی لم ترتق إلى فن القصة، ولکنها تقف عند حد الحکایة نظرًا لعدم اکتمال العناصر القصصیة فیها ، وهذه القصص: قصة " مجاهد عربی وزوجته "

    وهذه القصة مجرد حکایة تاریخیة خالیة من الحبکة والحوار القصصی، وفی قصة "أحلام الموتى " لا یوجد تناسق بین العنوان والمضمون والقصة مجرد حکایة قصصیة لعودة ناجی من لندن بعد تعرضه لحادث هناک.

 أما عن بقیة القصص فقد ارتقت إلى فن القصة لاکتمال عناصرها.

2- نوَّع الکاتب فی أمکنته وأزمنته القصصیة، وقد کان الاسترجاع بنوعیه الداخلی والخارجی هو الأکثر حضورًا، فقد أوجده من خلال استخدامه لتقنیة الحلم والذاکرة والتداعی وغیرها.

3- إن بدایات القصص عند ناجی تحتوی على لحظات توتر نفسی عند  الشخصیات، والخاتمة عنده کئیبة سوداء، یتخللها أمل بسیط فی لحظة  التنویر، ولکن سرعان ما ینقلب إلى أحزان.


الهوامش



[1]- فؤاد قندیل ، فن کتابة القصة ، الهىئة العامة لقصور الثقافة ، 2002، ص103.

[2]- المرجع السابق ، ص 103.

[3]- رشاد رشدی ، فن القصة القصیرة ، مکتبة الأنجلو المصریة ، ط1 فبرایر 1959، ص14.

[4]- صلاح رزق ، القصة القصیرة دراسة نصیة لتطور الشکل الفنی منذ النشأة حتى سنة 1952 ، ص17.

[5]- إدوین مویر ، بناء الروایة ، ترجمة إبراهیم الصیرفی ، مراجعة د. عبد القادر القط ، ص14.

[6]- إبراهیم ناجی ، الأعمال النثریة الکاملة ص 303.

[7]- المصدر نفسه ، ص 305.

[8]- المصدر نفسه ، ص306

[9]- المصدر نفسه ، ص 293

[10]- سلیمان حسین : أدوات النص ، مقالات فی الروایة العربیة ، اتحاد الکتاب العرب ، دمشق 1997 ص 75

[11]- رشاد رشدی ، فن القصة القصیرة ، ص29

[12]- عبد اللطیف محمد السید الحدیدی ، الفن القصصی فی ضوء النقد الأدبی: النظریة والتطبیق دار المعرفة                           للطباعة والتجلید ، 2006، ص 140

[13]- المصدر نفسه ، ص 287

[14]- المصدر نفسه ، ص 350

[15]- محمود ذهنی: تذوق الأدب : طرقه ووسائله ، مکتبة الأنجلو المصریة ، ص 154

[16]- المصدر نفسه ، ص290

[17]- المصدر نفسه ، ص361

[18]- محمد غنیمی هلال : النقد الأدبی للحدیث ، دار نهضة مصر للطباعة والنشر ، ط6،2006، ص 569

[19]- المصدر نفسه ، ص 296

[20]- عبد اللطیف الحدیدی ، الفن القصصی ، ص158

[21]- المصدر نفسه ، ص 385

[22]- یوری تینیانوف : مفهوم البناء ضمن کتاب الشکلانیین الروس ،  ترجمة / إبراهیم الخطیب ،  مؤسسة      الأبحاث العربیة ، المملکة المغربیة للناشرین المتحدین ط1 ، 1982 ص 77

[23]- عبد اللطیف محمد الحدیدی ، الفن القصصی فی ضوء النقد الأدبی ص 157

[24]- المصدر نفسه ، ص 388

[25]-  طه وادى ، دراسات فی نقد الروایة ، دار المعارف ، ط3 ، 1994 ص25/26

[26]- المرجع السابق ، ص26

[27]- المصدر نفسه ، ص 303

[28]- المصدر نفسه ، ص304

[29]- المصدر نفسه ، ص 313

[30]- المصدر نفسه ، ص 351

[31]- عبد الملک مرتاض ، فی نظریة الروایة ، ص 73

[32]- إیفلن فرید جورج یارد ، نجیب محفوظ والقصة القصیرة ، دار الشروق ، عمان 1988، ص 217

[33]- مصطفی الضبع ، استراتیجیة المکان ، الهىئة المصریة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة ،1990 ص 59

[34]- المصدر نفسه ، ص287

[35]-  المصدر نفسه ، ص 319

[36]- المصدر نفسه ، ص293

[37]- المصدر نفسه ، ص 320

[38]- المصدر نفسه ، ص 335

[39]- المصدر نفسه ، ص 307

[40]- المصدر نفسه ، ص353

[41]- المصدر نفسه ، ص369

[42]- المصدر نفسه ، ص383

[43]- المصدر نفسه ، ص392

[44]- المصدر نفسه ص388

[45]- حسن بحراوی ، بنیة الشکل الروائی (الفضاء – الزمن – الشخصیة ) ، المرکز الثقافی العربی ، بیروت ،

    1990 ، ص29

[46]- صالح صلاح ، قضایا المکان الروائی فی الأدب المعاصر ، دار شرقیات ، القاهرة ط1، 1997 ص12

[47]- أمینة رشید ، تشظی الزمن فی الروایة الحدیثة ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة 1998،ص 15

[48]-  طه وادى : دراسات فی نقد الروایة ، ص 34

[49]- المصدر نفسه ، ص319

[50]- المصدر نفسه ، ص 341

[51]- المصدر نفسه ، ص 341

[52]- المصدر نفسه ، ص 307

[53]- المصدر نفسه ، ص 310

[54]- المصدر نفسه ، ص 311

[55]- المصدر نفسه ، ص 311

[56]- المصدر نفسه ، ص 305

[57]- المصدر نفسه ، ص 365

[58]- المصدر نفسه ، ص 368

[59]- المصدر السابق ، ص 375

[60]-   ناصر عبد الرازق الموافی ، القصة العربیة عصر الإبداع ، دار النشر للجامعات ، ط3 ، 1997،

       ص 156  

[61]- مراد عبد الرحمن مبروک ، بناء الزمن فی الروایة المعاصرة ، الهىئة المصریة العامة للکتاب ، 1998 ص 66

[62]- المصدر نفسه ، ص 291

[63]- المصدر نفسه ، ص 293

[64]- المصدر نفسه ، ص 295

[65]- لطیف زیتونی ، معجم مصطلحات نقد الروایة ، مکتبة لبنان ناشرون ، ط1 2002، ص 72

[66]- أ, م فورستر :  أرکان القصة ، ترجمة کمال عیاد ،ـ دار الکرنک ،القاهرة، 1960، ص 105

[67]- حماده إبراهیم ، معجم المصطلاحات الدرامیة ، دار الشعب 1971 ، ص 116

[68]- لطیف زیتونی،  معجم مصطلحات نقد الروایة ، ص 32

[69]- غالی شکری ، أدب المقاومة ، دار المعارف ، القاهرة ، 1970 ، ص50

[70]-  رشاد رشدی ،  فن القصة القصیرة ، مکتبة الأنجلو المصریة ، القاهرة ، ص 96

[71]-المصدر نفسه ، ص 390

[72]- المصدر نفسه ، ص390

[73]- المصدر نفسه ، ص390

[74]- المصدر نفسه ، ص 360

[75]- المصدر نفسه ، ص 307

[76]- المصدر نفسه ، ص 309

[77]- المصدر نفسه ، ص 312

قائمة المصادر والمراجع

1- إبراهیم ناجی، الأعمال النثریة الکاملة، تحقیق ودراسة: حسن توفیق، المجلد الأول، المجلس الأعلى للثقافة ،2010م.

2- أمینة رشید، تشظی الزمن فی الروایة الحدیثة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 1998م.

3- إیفلن فرید جورج یارد، نجیب محفوظ والقصة القصیرة، دار الشروق، عمان 1988م.

4- حسن بحراوی، بنیة الشکل الروائی (الفضاء – الزمن – الشخصیة )، المرکز الثقافی العربی،                بیروت، 1990م.

5- حماده إبراهیم، معجم المصطلحات الدرامیة، دار الشعب 1971م.

6- رشاد رشدی، فن القصة القصیرة، مکتبة الأنجلو المصریة، ط1 فبرایر 1959م.

7- سلیمان حسین:  أدوات النص، مقالات فی الروایة العربیة، اتحاد الکتاب العرب، دمشق 1997م.

8- صالح جودت، ناجی حیاته وشعره، المجلس الأعلى لرعایة الفنون والآداب والعلوم                  الاجتماعیة، القاهرة، 1960.

9- صالح صلاح، قضایا المکان الروائی فی الأدب المعاصر، دار شرقیات، القاهرة ط1، 1997م.

10- د. صلاح رزق، القصة القصیرة دراسة نصیة لتطور الشکل الفنی منذ النشأة حتى سنة  1952م.      

11- طه وادى، دراسات فی نقد الروایة، دار المعارف، ط3، 1994م.

12- عبد اللطیف محمد السید الحدیدی، الفن القصصی فی ضوء النقد الأدبی: النظریة        والتطبیق دار المعرفة للطباعة والتجلید، 2006م.

13- عبد الملک مرتاض، فی نظریة الروایة، بحث تقنیات السرد، المجلس الوطنی للثقافة والفنون والآداب، الکویت ،1988م.

14- غالی شکری، أدب المقاومة، دار المعارف، القاهرة، 1970م.

15- فؤاد قندیل، فن کتابة القصة، الهیئة العامة لقصور الثقافة، 2002م.

16- لطیف زیتونی، معجم مصطلحات نقد الروایة، مکتبة لبنان ناشرون، ط1 2002م.

17- مراد عبد الرحمن مبروک، بناء الزمن فی الروایة المعاصرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب،      1998م.

18- محمد غنیمی هلال:  النقد الأدبی للحدیث، دار نهضة مصر للطباعة والنشر،          ط6،2006م ،ص 569.

19- محمد یوسف نجم، فن القصة، دار صادر بیروت، ط1، 1996م.

20- محمود ذهنی: تذوق الأدب:  طرقه ووسائله، مکتبة الأنجلو المصریة، 1989م.

21- مصطفی الضبع، استراتیجیة المکان، الهىئة المصریة العامة لقصور الثقافة،

     القاهرة ،1990م.

22- ناصر عبد الرازق الموافی، القصة العربیة عصر الإبداع، دار النشر للجامعات، ط3، 1997م.

23- د. یوسف نوفل، قضایا الفن القصصی ( المذاهب- اللغة - النماذج البشریة )، دار النهضة العربیة، 1977م.

المراجع المترجمة

1- إدوین مویر، بناء الروایة، ترجمة إبراهیم الصیرفی، مراجعة د. عبد القادر القط.

2- أ, م فورستر:   أرکان القصة، ترجمة کمال عیاد، دار الکرنک، القاهرة ،1960م.

3- بان مانفرید، علم السرد (مدخل لنظریة السرد)، ترجمة امانی أبو رحمة، مکتبة بغداد،2011م.

4-  یوری تینیانوف:  مفهوم البناء ضمن کتاب الشکلانیین الروس،  ترجمة / إبراهیم الخطیب،  مؤسسة الأبحاث العربیة، المملکة المغربیة للناشرین المتحدین ط1، 1982م.

 

فؤاد قندیل ، فن کتابة القصة ، الهىئة العامة لقصور الثقافة ، 2002، ص103.
[1]- المرجع السابق ، ص 103.
[1]- رشاد رشدی ، فن القصة القصیرة ، مکتبة الأنجلو المصریة ، ط1 فبرایر 1959، ص14.
[1]- صلاح رزق ، القصة القصیرة دراسة نصیة لتطور الشکل الفنی منذ النشأة حتى سنة 1952 ، ص17.
[1]- إدوین مویر ، بناء الروایة ، ترجمة إبراهیم الصیرفی ، مراجعة د. عبد القادر القط ، ص14.
[1]- إبراهیم ناجی ، الأعمال النثریة الکاملة ص 303.
[1]- المصدر نفسه ، ص 305.
[1]- المصدر نفسه ، ص306
[1]- المصدر نفسه ، ص 293
[1]- سلیمان حسین : أدوات النص ، مقالات فی الروایة العربیة ، اتحاد الکتاب العرب ، دمشق 1997 ص 75
[1]- رشاد رشدی ، فن القصة القصیرة ، ص29
[1]- عبد اللطیف محمد السید الحدیدی ، الفن القصصی فی ضوء النقد الأدبی: النظریة والتطبیق دار المعرفة                           للطباعة والتجلید ، 2006، ص 140
[1]- المصدر نفسه ، ص 287
[1]- المصدر نفسه ، ص 350
[1]- محمود ذهنی: تذوق الأدب : طرقه ووسائله ، مکتبة الأنجلو المصریة ، ص 154
[1]- المصدر نفسه ، ص290
[1]- المصدر نفسه ، ص361
[1]- محمد غنیمی هلال : النقد الأدبی للحدیث ، دار نهضة مصر للطباعة والنشر ، ط6،2006، ص 569
[1]- المصدر نفسه ، ص 296
[1]- عبد اللطیف الحدیدی ، الفن القصصی ، ص158
[1]- المصدر نفسه ، ص 385
[1]- یوری تینیانوف : مفهوم البناء ضمن کتاب الشکلانیین الروس ،  ترجمة / إبراهیم الخطیب ،  مؤسسة       الأبحاث العربیة ، المملکة المغربیة للناشرین المتحدین ط1 ، 1982 ص 77
[1]- عبد اللطیف محمد الحدیدی ، الفن القصصی فی ضوء النقد الأدبی ص 157
[1]- المصدر نفسه ، ص 388
[1]-  طه وادى ، دراسات فی نقد الروایة ، دار المعارف ، ط3 ، 1994 ص25/26
[1]- المرجع السابق ، ص26
[1]- المصدر نفسه ، ص 303
[1]- المصدر نفسه ، ص304
[1]- المصدر نفسه ، ص 313
[1]- المصدر نفسه ، ص 351
[1]- عبد الملک مرتاض ، فی نظریة الروایة ، ص 73
[1]- إیفلن فرید جورج یارد ، نجیب محفوظ والقصة القصیرة ، دار الشروق ، عمان 1988، ص 217
[1]- مصطفی الضبع ، استراتیجیة المکان ، الهىئة المصریة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة ،1990 ص 59
[1]- المصدر نفسه ، ص287
[1]-  المصدر نفسه ، ص 319
[1]- المصدر نفسه ، ص293
[1]- المصدر نفسه ، ص 320
[1]- المصدر نفسه ، ص 335
[1]- المصدر نفسه ، ص 307
[1]- المصدر نفسه ، ص353
[1]- المصدر نفسه ، ص369
[1]- المصدر نفسه ، ص383
[1]- المصدر نفسه ، ص392
[1]- المصدر نفسه ص388
[1]- حسن بحراوی ، بنیة الشکل الروائی (الفضاء – الزمن – الشخصیة ) ، المرکز الثقافی العربی ، بیروت ،
    1990 ، ص29
[1]- صالح صلاح ، قضایا المکان الروائی فی الأدب المعاصر ، دار شرقیات ، القاهرة ط1، 1997 ص12
[1]- أمینة رشید ، تشظی الزمن فی الروایة الحدیثة ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة 1998،ص 15
[1]-  طه وادى : دراسات فی نقد الروایة ، ص 34
[1]- المصدر نفسه ، ص319
[1]- المصدر نفسه ، ص 341
[1]- المصدر نفسه ، ص 341
[1]- المصدر نفسه ، ص 307
[1]- المصدر نفسه ، ص 310
[1]- المصدر نفسه ، ص 311
[1]- المصدر نفسه ، ص 311
[1]- المصدر نفسه ، ص 305
[1]- المصدر نفسه ، ص 365
[1]- المصدر نفسه ، ص 368
[1]- المصدر السابق ، ص 375
[1]-   ناصر عبد الرازق الموافی ، القصة العربیة عصر الإبداع ، دار النشر للجامعات ، ط3 ، 1997،
       ص 156  
[1]- مراد عبد الرحمن مبروک ، بناء الزمن فی الروایة المعاصرة ، الهىئة المصریة العامة للکتاب ، 1998 ص 66
[1]- المصدر نفسه ، ص 291
[1]- المصدر نفسه ، ص 293
[1]- المصدر نفسه ، ص 295
[1]- لطیف زیتونی ، معجم مصطلحات نقد الروایة ، مکتبة لبنان ناشرون ، ط1 2002، ص 72
[1]- أ, م فورستر :  أرکان القصة ، ترجمة کمال عیاد ،ـ دار الکرنک ،القاهرة، 1960، ص 105
[1]- حماده إبراهیم ، معجم المصطلاحات الدرامیة ، دار الشعب 1971 ، ص 116
[1]- لطیف زیتونی،  معجم مصطلحات نقد الروایة ، ص 32
[1]- غالی شکری ، أدب المقاومة ، دار المعارف ، القاهرة ، 1970 ، ص50
[1]-  رشاد رشدی ،  فن القصة القصیرة ، مکتبة الأنجلو المصریة ، القاهرة ، ص 96
[1]-المصدر نفسه ، ص 390
[1]- المصدر نفسه ، ص390
[1]- المصدر نفسه ، ص390
[1]- المصدر نفسه ، ص 360
[1]- المصدر نفسه ، ص 307
[1]- المصدر نفسه ، ص 309
[1]- المصدر نفسه ، ص 312
قائمة المصادر والمراجع
1- إبراهیم ناجی، الأعمال النثریة الکاملة، تحقیق ودراسة: حسن توفیق، المجلد الأول، المجلس الأعلى للثقافة ،2010م.
2- أمینة رشید، تشظی الزمن فی الروایة الحدیثة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 1998م.
3- إیفلن فرید جورج یارد، نجیب محفوظ والقصة القصیرة، دار الشروق، عمان 1988م.
4- حسن بحراوی، بنیة الشکل الروائی (الفضاء – الزمن – الشخصیة )، المرکز الثقافی العربی،                بیروت، 1990م.
5- حماده إبراهیم، معجم المصطلحات الدرامیة، دار الشعب 1971م.
6- رشاد رشدی، فن القصة القصیرة، مکتبة الأنجلو المصریة، ط1 فبرایر 1959م.
7- سلیمان حسین:  أدوات النص، مقالات فی الروایة العربیة، اتحاد الکتاب العرب، دمشق 1997م.
8- صالح جودت، ناجی حیاته وشعره، المجلس الأعلى لرعایة الفنون والآداب والعلوم                  الاجتماعیة، القاهرة، 1960.
9- صالح صلاح، قضایا المکان الروائی فی الأدب المعاصر، دار شرقیات، القاهرة ط1، 1997م.
10- د. صلاح رزق، القصة القصیرة دراسة نصیة لتطور الشکل الفنی منذ النشأة حتى سنة  1952م.      
11- طه وادى، دراسات فی نقد الروایة، دار المعارف، ط3، 1994م.
12- عبد اللطیف محمد السید الحدیدی، الفن القصصی فی ضوء النقد الأدبی: النظریة        والتطبیق دار المعرفة للطباعة والتجلید، 2006م.
13- عبد الملک مرتاض، فی نظریة الروایة، بحث تقنیات السرد، المجلس الوطنی للثقافة والفنون والآداب، الکویت ،1988م.
14- غالی شکری، أدب المقاومة، دار المعارف، القاهرة، 1970م.
15- فؤاد قندیل، فن کتابة القصة، الهیئة العامة لقصور الثقافة، 2002م.
16- لطیف زیتونی، معجم مصطلحات نقد الروایة، مکتبة لبنان ناشرون، ط1 2002م.
17- مراد عبد الرحمن مبروک، بناء الزمن فی الروایة المعاصرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب،      1998م.
18- محمد غنیمی هلال:  النقد الأدبی للحدیث، دار نهضة مصر للطباعة والنشر،          ط6،2006م ،ص 569.
19- محمد یوسف نجم، فن القصة، دار صادر بیروت، ط1، 1996م.
20- محمود ذهنی: تذوق الأدب:  طرقه ووسائله، مکتبة الأنجلو المصریة، 1989م.
21- مصطفی الضبع، استراتیجیة المکان، الهىئة المصریة العامة لقصور الثقافة،
     القاهرة ،1990م.
22- ناصر عبد الرازق الموافی، القصة العربیة عصر الإبداع، دار النشر للجامعات، ط3، 1997م.
23- د. یوسف نوفل، قضایا الفن القصصی ( المذاهب- اللغة - النماذج البشریة )، دار النهضة العربیة، 1977م.
المراجع المترجمة
1- إدوین مویر، بناء الروایة، ترجمة إبراهیم الصیرفی، مراجعة د. عبد القادر القط.
2- أ, م فورستر:   أرکان القصة، ترجمة کمال عیاد، دار الکرنک، القاهرة ،1960م.
3- بان مانفرید، علم السرد (مدخل لنظریة السرد)، ترجمة امانی أبو رحمة، مکتبة بغداد،2011م.
4-  یوری تینیانوف:  مفهوم البناء ضمن کتاب الشکلانیین الروس،  ترجمة / إبراهیم الخطیب،  مؤسسة الأبحاث العربیة، المملکة المغربیة للناشرین المتحدین ط1، 1982م.