توظيف الشخصية التراثية في التعبير عن الوطن في المسرح الشعريّ المصريّ 1950-2000م (دراسة تحليلية نقدية)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية التربية-جامعة عين شمس

المستخلص

يتناول هذا البحث استدعاء الشخصيات التراثية في المسرح الشعري؛ للتعبير عن قضايا الوطن ، حيث لجأ الشعراء المسرحيون إلى التراث يستمدون منه صوت الحق؛ لمقاومة الظلم، ويطالبون من خلاله بالحرية وبالعدل الاجتماعي، ويتناول البحث ثلاثة نماذج مسرحية استدعت شخصيات تراثية بارزة: مسرحية "محاکمة المتنبي" للأديب أنس داود، ومسرحية "المتنبي فوق حد السيف "للأديب محمد عبد العزيز شنب، ثم مسرحية "ضمير الغائب" للشاعر محمد عبد المنعم العقبي.

الكلمات الرئيسية


توظیف الشخصیة التراثیة فی التعبیر عن الوطن فی المسرح الشعریّ المصریّ 1950-2000م (دراسة تحلیلیة نقدیة)

تخصص لغة عربیة

إعداد الباحثة

غادة زین العابدین علیّ غنیم

بإشراف

أ. د/ عبد المرضی زکریا خالد                 أ. د/ أشرف محمود نجا

   أستاذ الأدب العربی ونقده                       أستاذ الأدب والنقد

 کلیة التربیة-جامعة عین شمس            کلیة التربیة-جامعة عین شمس 

د. محمد السید حسن

مدرس الأدب الحدیث

کلیة التربیة-جامعة عین شمس

ملخص البحث:

یتناول هذا البحث استدعاء الشخصیات التراثیة فی المسرح الشعری؛ للتعبیر عن قضایا الوطن ، حیث لجأ الشعراء المسرحیون إلى التراث یستمدون منه صوت الحق؛ لمقاومة الظلم، ویطالبون من خلاله بالحریة وبالعدل الاجتماعی، ویتناول البحث ثلاثة نماذج مسرحیة استدعت شخصیات تراثیة بارزة: مسرحیة "محاکمة المتنبی" للأدیب أنس داود، ومسرحیة "المتنبی فوق حد السیف "للأدیب محمد عبد العزیز شنب، ثم مسرحیة "ضمیر الغائب" للشاعر محمد عبد المنعم العقبی.

الکلمات المِفتاحیة:

الشخصیات التراثیة - قضایا الوطن - القناع - المتنبی- غیلان الدمشقی.

 


Research’s Summary

  This research talks about calling traditional characters in poetic drama to express homeland issues, where poetical theater resorted to heritage. They draw from it the voice of truth to resist injustice, they demand freedom and social justice.

   This study deals with three models plays called for prominent heritage figures "Judging Almutanaby" “Mohakamet Almutanaby” by Anas daowd and Mutanaby above the edge of the sword "Almutanaby fok hd alsif" by Mohammed Abd Alaziz Shanab, Then the play "Dameer Alghaeb" by Mohammed Abd Almonem Alakbiy.

- Calling traditional characters.

- Homeland issues.

- Mask.

- Almutanaby.

- Ghilan Aldemshkey.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                                       

 

توظیف الشخصیة التراثیة فی التعبیر عن الوطن

فی المسرح الشعریّ المصریّ 1950-2000م

دراسة تحلیلیة نقدیة

تخصص لغة عربیة

إعداد الباحثة

غادة زین العابدین علیّ غنیم

بإشراف

أ. د/ عبد المرضی زکریا خالد                 أ. د/ أشرف محمود نجا

   أستاذ الأدب العربی ونقده                       أستاذ الأدب والنقد

 کلیة التربیة-جامعة عین شمس            کلیة التربیة-جامعة عین شمس 

د. محمد السید حسن

مدرس الأدب الحدیث

کلیة التربیة-جامعة عین شمس

1440 ه ــ 2018 م

المقدمة:

إن المسرح الشِّعری جنس أدبی ثری رصین، یلامس الواقع ویوقظ الحس الإنسانی والشعور الجمعی بما حُمِّل من تجارب إنسانیة، ویُعْنَى هذا البحث بطَرْق آفاق النص المسرحی الشعری فی مصر فی النصف الثانی من القرن العشرین، واکتناه فعالیة الشخصیة التراثیة فی التعبیرعن الوطن وقضایاه؛ لتقدیم وجهة نظر معاصرة تربط الماضی بالحاضر، وتحوِّل القضایا المعاصرة إلى واقع تاریخی یُثری التجارب المسرحیة؛ ومن ثم یُثری التجارب الإنسانیة، "فالمسئولیة والحریة هما طرفا الجدلیة الجدیدة التی تغرس الوجود الإنسانی فی التاریخ ."([1]) ففی التراث قوة داعمة عمیقة، وبخاصة أن استدعاء الشخصیات التراثیة یمثل ظاهرة مطردة فی المسرح الشعری - فی الفترة موضوع البحث - تحمل آراء الأدیب السیاسیة، مستترا خلف قناع یؤازر الواقع، وقد وثب التاریخ لیقول کلمته التی تعانقت وکلمة الأدیب التی تتخفی خلف ستائر أسدلها بعبقریة بعد أن نقش علیها ما یرید، "فتجاوز بذلک مرحلة التعبیر عن الشخصیة إلى التعبیر بها."([2])

   وقد اقتصرت المعالجة النقدیة فی هذا البحث على الشخصیة التراثیة خاصةً، نظرًا لثراء مادتها وتنوعها فی المسرحیات الشعریة فی الفترة الزمنیة المنتخبة للدراسة؛ فقد استدعى المبدع المسرحی شخصیات تاریخیة وظَّفها على نحو فاعل وثرٍّ لبروزها التاریخی ولارتباطها بمعاناة الواقع المعیش؛ "فالمبدع المسرحی لا یأخذ من هذا التراث إلا ما کان ذا علاقة بمعاناته، بحیث یرتبط الذاتی بالموضوعی دون أن یتخلى عن الأمانة العلمیة فی الحفاظ على أصالة المصدر."([3])  فأطلت الشخصیة التراثیة فی بعض المسرحیات لتقول کلمتها وتنادی بقیم مفتقدة، وقد أجرى الأدباء على لسانها المطالبة بالعدل والحریة واحترام الإنسانیة، وکأن التاریخ یُفضی إلینا بما یجب أن یکون.

   ومن الشخصیات التراثیة التی استأثرت بالجانب الأکبر من اهتمام الباحثین شخصیة أبی الطیب المتنبی الذی ملأ الدنیا وشغل الناس، وهو الشاعر الفارس الذی عاش فی بلاط الحکام وعرف سیاساتهم، وجدیر بالذکر الإشارة إلى الدراسة الرائدة التی لفتت إلى أهمیة الموروث فی الإبداع الشعری منذ وقت مبکر للأستاذ الدکتور على عشری زاید فی کتابه "استدعاء الشخصیات التراثیة فی الشعر العربی المعاصر؛ فقد تناول فیه توظیف شخصیة المتنبی فی الشعر الغنائی المعاصر بوصفها نموذجًا لاستدعاء الموروث الأدبی.

  أما هذا البحث، فهو یعالج استدعاء شخصیة المتنبی فی الإبداع المسرحی المعاصر من خلال  مسرحیتین شعریتین: أولاهما - "محاکمة المتنبی" للأدیب الدکتور أنس داود، والأخرى - مسرحیة "المتنبی فوق حد السیف" للأدیب عبد العزیز شنب؛ وهاتان المسرحیتان یکتنزان بقضایا الوطن وهمومه المعاصرة، فضلًا عن ثراء شخصیة المتنبی فنیًا وفکریا وسیاسیًا واجتماعیًا وتقاطعها مع کثیر من مفردات الواقع المعاصر المعیش؛ مما یجعل المعالجة النقدیة شدیدة الخصوبة.

 کما تناول هذا البحث شخصیة غیلان الدمشقی الذی استدعاه الأدیب محمد عبد المنعم العقبی فی مسرحیته" ضمیر الغائب"؛ وقد عاش غیلان فی عصر امتلأ عدلا، وهو عصر الخلیفة الأموی عمر بن عبد العزیز. ووظِّف فی المسرحیة بوصفه رمزا للضمیر الیقظ، وصوتًا لکلمة الحق التی أراد الکاتب أن یقولها فأوردها على لسان غیلان.

توطئة:

   إن الحاضر والماضی تجمعهما التجارب الإنسانیة، والتراث العربی غنی بشخصیاته وتجاربه التی تحولت عبر التاریخ إلى تجارب إنسانیة عامة، تتکثف فیها الحکمة وتؤخذ منها العظة والعبرة. بید أن الأدیب " المفروض علیه أن یوفق بین التاریخ والدراما فی عضویة فنیة حیة"([4])

   ولا شک فی أن الأدیب لا ینفصل عن عنصر الزمن، فهو یعیش واقعه بکل ما فیه، ولا ینبتُّ عن ماضیه، بل یحاول أن یعتبر به، ویتجنب ما حدث فی الماضی من خلل أو تقصیر أو خطأ، لأن التاریخ سیظل المعلم الأکبر، وملهم العبرة والعظة "فالطبیعة البشریة واحدة فی کل زمان، فلا تکاد تختلف الحوادث فی الماضی عن الحاضر إلا باختلاف الظروف."([5]) والأدیب قادر بموهبته وثقافته أن یغربل التاریخ، ویؤلف بینه وبین الواقع؛ لیوظفه لما فیه الخیر لبنی وطنه، فیصقل معرفتهم، ویعمق وعیهم، ویدفعهم لبناء الوطن على أسس راسخة تحمل خبرة السابقین ببلاغة أدیب، " کما أنَّ التراث یمثل بالفعل أحد مصادر الإلهام الرئیسیة التی لا یستطیع أن یفلت منها الأدیب- مهما قصد إلى ذلک."([6])

      ویرى د. طه وادی أنَّ الأدیب لا یستطیع الإفلات من واقعه، ولا یستطیع الإفلات من تراثه بوعی أو دون وعی ، فالتراث مترسب فی مخیلته.([7])

    إنَّ الاتکاء على تراثنا  یُعد محاولة من الأدباء- بوعی أو بدون وعی- لبعث الوطنیة والقومیة، واستحضار نماذج مُدَعِّمَة تُجْبِر کسرًا ونقصًا أصاب وطنَنا، وتمنحه قوةً دافعةً؛ لیقوى على الصمود واجتیاز العقبات، ثُمَّ النهوض من عثراته؛ لیستعید مجده العظیم، فلا شک فی أنَّ الهزیمة التی منی بها وطننا فی سنة 1967م کان لها أثر لا یُنکر فی توجه الشعراء المسرحیین نحو التراث؛ لأن التراثَ تاریخٌ یحمل عظاتٍ وعبرًا؛ "إذ فرضت هزیمة یونیو 1967 على الجماعة العربیة أن تعید تأمل واقعها وماضیها/ تراثها مرة أخرى بحثًا عن أسباب الهزیمة، وسعیا إلى اکتشاف کل ما یمکن أن یساعدها فی تحقیق تماسکها بما یجعلها قادرة على تجاوز لحظات الهزیمة"([8]) فاستدعاء التراث یدعِّم الواقع حتى تکتمل الرؤیة، ویُحسن أبناء الوطن معالجة مشکلاتهم السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة، فالإنسان هو الإنسان کان یحلم بالعدل والحریة وما زال.

وتراثنا العربیُّ الإسلامیُّ یکتنز بالشخصیات والأحداث التی ملأت الأسماع وشغلت الدنیا؛ فمنذ بدایة المسرح الشعری فی مصر اصطحب معه التراث، والذی حاز شرف هذا البدء أحمد شوقی"متأثرا بمسرح شکسبیر ومسرح الکلاسیکیة الحدیثة فی فرنسا -جعل التاریخ بروافده المتعددة على المستوى الرسمی والشعبی أو الفصیح والعامی، ثم السیاسی والأدبی.. محورا أساسیا لموضوع المسرح الشعری.. ومن عجب أنَّ معظم شعراء المسرح من بعده لم یتجاوزوا هذه الناحیة" ([9])

    واستدعاء التراث صار رکیزة أساسیة من رکائز المسرح الشعری، فمعظم الشعراء المسرحیین اتکئوا على التراث اتکاء الواثق فی عراقة تاریخه، "فالتاریخ مجرد إطار نظری فحسب لطرح وجهة نظر جدیدة"([10])؛ فالتاریخ لیس مقصودا لذاته، وإنما یمثل تجربة خصبة یتم توظیفها لخدمة قضایا معاصرة؛ إن"لحظة الاندماج المتوتر الفرید بین الحاضر والماضی هی ما یتوجب على الشاعر العربی تحقیقه وعیا وممارسته، وعبر هذه اللحظة البالغة الفرادة یتم التحام الحاضر والماضی معا؛ لیضیء أحدهما الآخر، ویصبح کل منهما أکثر معرفة بنفسه"([11]) فالأدیب على یقین أن تراثه لن یخذله ، بل سیکوِّن وحدة مع أحداث العصر وشخصیاته ویتفاعل مع مشکلاته وسیؤازر التراث قضایا الواقع -فما أشبه الیوم بالبارحة!! ولِمَ لاوقد أفضى التاریخُ إلینا إفضاءً وهمس فی أذن الأدباء أن انهلوا من معین عَظَمَة الأجداد؛ فالرکب واحد، وکما یقول المتنبی:

            

 

صحب الناس قبلنا ذا الزمانا                 وعناهم فی شأنه ما عنانا

وکانت ثورة یولیوسنة 1952 مدعاة لاسترفاد التراث بمظان القوة والإیجابیة التی ینطوی علیها؛ فحین قامت "وتوالت انتصاراتها ابتدأ المفکرون ینظرون إلى مواطئ أقدامهم. وأخذنا نحاول أن نقیم فلسفة فکریة عربیة معاصرة، تستمد أصولها من تاریخنا وتراثنا وفی نفس الوقت تقف أمام التیارات العالمیة فی محاولتها حل مشاکل العصر، والتخطیط لمستقبله" ([12])

عوامل استدعاء الشخصیة التراثیة فی المسرح الشعری:

      ولعل من أهم عوامل استدعاء الشخصیة التراثیة فی المسرح الشعریِّ العامل السیاسی؛ فالتراث یعد بمثابة قناع یستتر وراءه الشاعر المسرحی لیقول من خلفه کلمته التی لایستطیع المباشرة المجاهرة بها ، لما قد یغشى مجتمعه من قهر سیاسی أو ظلم اجتماعی ربما ینعکس علیه بشکل سلبی، فیستتر خلف قناع تراثی اشتهر بالظلم والبطش لیواجهه ملقیًا کلمته بذکاء وحرص إیثارًا للسلامة، "وقدرة الکاتب هنا تتمثل فی حسن اختیار الطریقة التی یعبر من خلالها عن غرضه، بشرط أن یکون لهذا الغرض کیان تاریخی وتراثی عند المتلقی، حیث لا یحدث انفصال بین الرمز وبین المرموز له."([13])

  ولأن المسرح لا یخلو من الصراع، صراع بین الحق والباطل، بین الخیر والشر، بین الظلم والعدل؛ فالشخوص التراثیة فی المسرح أتت ممثلة لشِقَیِّ الصراع، " فحیثما وُجد حُسین یوجد معه یزید وابن زیاد، وأینما وُجد أبو ذرّ یوجد معه معاویة، وأنَّى وُجد ابن الزبیر یوجد معه الحجاج" ([14]) فاستدعاء الشخصیات التراثیة تؤازر"بحث الشاعر عن هموم الإنسان الخالدة، أو التعبیر غیر المباشر عن أدق أنواع الصراع فی داخل المجتمع الذی یعیش فیه"([15])

     وقد یتکئ الأدیب على التراث لبُعدٍ فَنیٍّ؛ فمیراثنا الأدبی ثری بالشخصیات التراثیة الشدیدة الخصوبة فکریًا وسیاسیًا واجتماعیًا؛ ولعل فی استدعائها وتوظیفها فنیًا کَنزًا للإبداع وشحذًا لطاقات من الإیحاءات والصور والتعبیرات والألفاظ، فالتراث هو المعین الأصلی الذی یستقی أدباؤنا منه، فینهلون من نبع صافٍ لا ینضب، ولا تنقضی عجائبه.

وقد تفاعل الشاعر المسرحی مع تراثنا العریق، وانفعل به وساق إحدى مفرداته أو إحدى شخصیاته التی تتسم بصفة واضحة ظاهرة، فالشخصیة المستدعاة من التراث لا بد أن تکون محددة الملامح والصفات لدى الشاعر؛ ومن ثَمَّ المُتَلقِی لتحمل من الإسقاطات ما تحمل؛ کی یستطیع الأدیب المسرحی أن یسقطها على واقع عصره وأحداثه أو یُسقطها على شخصیة معاصرة بطریقة غیر مباشرة بصفتها قناعًا أو ستارًا  للنأی عن المباشرة والکشف والوضوح فیصل الأدیب إلى هدفه بذکاء وحرص. والإبداع هنا یکمن فی تمکن الأدیب من الإفلات بشخوصه من الخصوص لینقلها إلى العموم، فأی فرد قد یکون هذه الشخصیة أو قریبا من تکوینها النفسی، أو تحیط به ظروف مشابهة یکون الأدیب الأریب قد نأى بأدبه عن المباشرة والقصد، والتراث هنا یقوده نحو الاختیارات الرشیدة، ویجنبه حماقات السابقین، عن بصیرة ووعی تاریخی، فیکوِّن نموذجا وطنیا مستبصرا.

أولًا- شخصیة المتنبی:

ومن الشخصیات الأدبیة التراثیة التی وُظِّفَت فی المسرح الشعری لثراء سماتها الدالة، واستلهمها الشعراء فی تصویر الوطن وأزماته المختلفة حالَ انکساره وطموحه جراء استبداد الحاکم وظلمه شخصیة أبی الطیب المتنبی، "ولطالما وجد الشاعر العربی الحدیث فی شخصیة المتنبی مثار أسئلة الذات القومیة وانکسار أحلامها. وقد اعتمد الشاعر العربی الحدیث فی جعل المتنبی ملاذا للوعی بالتاریخ لدى تمثیل المتنبی لثقافة عصره من منظوراتها المختلفة خیر تمثیل."([16]) "وعلى الرغم من غنى شخصیة المتنبی بالدلالات وتعدد أبعادها، فإن البعد السیاسی بالذات من بین أبعاد شخصیة المتنبی کان أکثرها اجتذابا لشعرائنا الذین حاولوا أن یعبروا من خلاله عن کثیر من الجوانب السیاسیة فی تجربة الشاعر المعاصر"([17]) ومن المسرحیات التی ظهرت فیها هذه السمة بشکل جلی ، ولفتت انتباه الباحثة مسرحیة "محاکمة المتنبی" للشاعر أنس داود التی صدرت عام 1983م؛ وقد احتفظ الشاعر فی هذه المسرحیة بالسیاق التاریخی حیث جعل "کافور" معاصرا بالفعل للمتنبی، واستدعى هذه الشخصیة التراثیة، ووظفها فی المسرحیة بوصفها رمزًا للحاکم الظالم فی عصره، بید أنَّه صاغها مخالفة تمامًا لسیرة کافور الإخشیدی فی الحقیقة، لما عُرِف عنه من العقل والحزم وحسن التدبیر، فقد "کانت أیام کافور سدیدة جمیلة، وکان یدعى له على المنابر بالحجاز ومصر والشام... وکان یداوم الجلوس غدوة وعشیة لقضاء حوائج الناس..."([18])

وقد مثَّل "المتنبی" فی هذه المسرحیة الصوت المناضل من أجل کلمة الحق، ونظر الشعب إلى أشعاره على أنها منشورات ثوریة حتى أربکت کلماتُه کافورَ، وعدَّها مؤامرة ضد نظام الحکم، فتوعده بالموت وتحویل جثته إلى أشلاء، یقول کافور للأمیرة التی اتهمها بخیانته، ووقوفها ضده مع المتنبی:

 

کافور: ...

       تلک مُؤامَرَةٌ یا سیدتی ضِدَ نِظَامِ الحُکْم، ومَا فِی هَذِهِ الصَّفْحَةِ مَنْشُورٌ ثَوْرِیٌّ

      سَجَلَهُ "المُتَنَبِی" بِخَطِ یَدِه ...

      [ یحاول إثارتها ] سترین رماحی تخرق جسده

       حتى یبدو کالغربال

      [ فی إثارة أکثر]

       انتظری

   تبصر عیناک الجسد الفحل المغرور

  یتضاءل.. یتضاءل، یتناثر أشلاء.. أشلاء

 [ فی تشفٍ ]

   اقطع یا مسرور الکفین

  ثَنِّ بهاتین القدمین

  ابقر هذا البطن

  لا.. لا..

    اسمل هاتین العینین([19])

   فهذا کافور یمثل نموذج الحاکم الظالم، الذی یتعالى على شعبه، ولا یستطیع أن یصغی لکلمة الحق الملقاة على سمعه، بل ینتقم من قائلها، ویدعو حراسه إلى التمثیل بجسده وتحیُّف أعضائه تباعًا حتى تتناثر جثته أشلاء.

کما تلقانا فی هذا المشهد شخصیة تراثیة ثالثة وهی شخصیة "مسرور" تلک الشخصیة الفلکلوریة المستمدة من"ألف لیلة ولیلة"، وهو سیَّاف"شهریار" الذی سرعان ما یُعمل سیفه ظلما بإشارة من سیده، وقد استدعى أنس داود شخصیة "مسرور" لیکون سیّاف "کافور" رغم اختلاف بیئتی الشخصیتین وزمانهما، غیر أن الشاعر أراد أن یشیر إلى أن الظلم کائن فی کل مکان وزمان، کما أن لغته وأدواته واحدة، فضلًا عن أن استدعاء شخصیة "مسرور" یستدعی إلى الأذهان بالتبعیة شخصیة "شهریار"؛ فلکل عصر حاکم قاهر، وتابع ینفذ قهره بلا رحمة.

ولا شک فی أن المتنبی شاعر عظیم، صاحب کلمة، ولعل حاکمًا مثل کافور کان یضع نصب عینیه أن یُحوِّل المتنبی إلى بوق ینشر مدائحه بین الناس، ویؤید سیاسته فی الناس، وهذا ما صنعه المتنبی بداءة مع کافور کما یذکر التاریخ، بید أنه انقلب ضده وتحولت مدائحه إلى هجاء؛لأنه لم یجد منه ما کان یحلم به، ویطمح من سلطة ومجد. وإن أخوف ما یخافه الحاکم الظالم هو کلمة حق تکشف سیاسته الظالمة، وتُجرِّئ الشعب علیه، وتحمل فی طیاتها الدعوة إلى الثورة على طغیانه واستبداده، وقد اتکأ أنس داود على تقنیة توظیف التراث هنا لیسقط حوادث الماضی على الحاضر فی إشارة إلى تجدد الفعل القمعی من الحاکم الظالم تجاه صوت النقد اللاذع، وصاحب الکلمة الحرة فی المجتمع:

الأمیرة: [ فی انهیارها ومن بین دموعها ]

         لکنَّک تنسى یا کافور

        إن أنت قتلت الشاعر

        أنَّکَ أعجز عن قتل"الشِّعر"

     مأساة الطَّاغیةِ"الشِّعْرُ" ولیس الشعراء([20])

     وفی السطر الشعری الأخیر إعلان صریح یؤکد أنَّ الطاغیة فی کل عصر لا یخشى الشاعر إنما یخشى الشِّعر، لا یخشى القائل بل یخشى سیف الکلمة الحرة؛ فالکلمة سیف مسلط على رقاب الحکام، تمکث فی الأرض، ویتجدد عطاؤها، فی حین یبلى قائلها بفناء زمنه.

ثم تتطور أحداث المسرحیة، وتنتقل إلى رصد مظاهر الفقر ومأساة الفقراء، وتُصوِّر الذلَّ الذی ضُرب على بنی الوطن، وتَحرُّکَ عسس السلطان لملاحقة أصحاب الرأی؛ فیثیرون الفزع والرعب فی نفوس الأطفال والنساء والشیوخ، فی حین فترت بهم الهمة عن ملاحقة الأعداءالذین استباحوا الحمى، ودنست خیولهم دور العبادة فی کل بقعة من أرض الوطن، ولا شک فی أن هذه الأسطر الشعریة تعد إسقاطًا على عصر الکاتب الذی غابت فیه العدالة الاجتماعیة؛ فانتشرالفقر، وصودرت الحریات، واعتقل أصحاب الرأی، وأهین صوت العدل، وما أشبه لیلة الشاعر ببارحة المتنبی! لذا"استغل الشعراء موقف المتنبی من کافور وحمَّلوه الکثیر من الدلالات السیاسیة"([21]):

المتنبی: [ فی بساطة ]

         لا أعجب

         جَلَّتْ حِکمةُ مولای

        لا یفعلُ شیئًا فی هذا الوادی غیرَ القتل

 أین الحریة، والحق، أین العدل؟!..

 هل جُسْتَ خلال الدور؟

 رأیت هزال الأطفال، نضوب الأثداء، جموع المحرومین الفقراء

  أرأیت الذُّلَّ یطوِّق أعناق رجال عاشوا یوما صحو الآمال، ومدوا أیدیهم نحو

الشمس

ولأدنى همس

 تتحرکُ قافلةٌ مِنْ عَسْسِ السُّلْطان،

 ما نُبْصِرُهَا تتحرکُ حِینَ تدقُّ سَنَابِکَ خیلَ الرُّوم

 مساجد یُذکر فیها اسم الله، ویُتلى فیها القرآن

  فی حلبِ الشَّهْبَاء، وفی القُدْس([22])

ولعلنا نلمح فی مستهل المشهد السابق سخریة الشاعرمن حکمة سیده کافور التی تجلت فی قتل شعبه، وهی إشارة تُعد إدانة لواقع مریـر تفرغ  فیه الحاکم لإهانة شعبه، إن لم یکن بالفقر والجوع  فبالسجن والقتل، حتى صارت الأمة لقمة سائغة یلتهمها أعداؤها الروم التهامًا، فتدک سنابک خیلهم المساجد، وتستبیح الحرمات ولا یجدون رادًّا عنها، ولا صادًّا لهم، وهنا تبدو مهارة المبدع فی انتقاء النموذج الموظف تراثیًّا، ومدى تضمُّنه قدرًا مناسبًا من التقاطع بین زمنه الماضی وزمن الشاعر الحاضر حتى یمکنه استدعاؤه - ربما لدواعٍ سیاسیة - واستثماره موضوعیًا وفنیًّا فی شعره.

ومما جاء على لسان الأمیرة موجهةً قولها للمتنبی:

الأمیرة: صوتُکَ نَبْضُ الروح

     حداء القافلة الواعدة المُرْتَقَبَة ([23])

      إنَّ صوت المتنبی هنا یمثل غطاءً یتوارى وراءه الشاعر أو قناعًا یستتر خلفه لیتحدث فی صراحة وجرأة، إنه ضمیر الأمة ونبضها الحیّ الذی یقودها نحو غد أفضل، إنه صوت النقد اللاذع والثورة، صوت الحریة والعدل الذی یتردد صداه فی أزمنة البغی والاستبداد.

والمبدِع دائمًا یحاول استثمار مجموعة من الأحداث والمواقف والسمات الوثیقة الارتباط بالشخصیة التراثیة التی یستدعیها لتلتحم بالنص المبدَع وتذوب فیه وتمنحه طاقة وروحًا جدیدة بهدف بثِّ آرائه وأفکاره التی یرید إیصالها للمتلقی، یقول الشاعر:

قاضی القضاة: أعنی ماذا تشغل نفسک به؟

المتنبی: [ ملتفتا إلى الأمیرة ]

          بالحسن

          [ ثم ملتفتا إلى جانب کافور]

           وبالإحسان

          [ ثُمَّ ملتفتا إلى الجمهور ]

          أشغلُ نفسی بجمالِ الکون

          أتابعُهُ، وأصورهُ، وأغنیه

          وأجسدُهُ للشَّعْبِ.. یراوحه ، ویغادیه

  حتى یغدو الشعب.. شفیفَ الروح، نقیا

          ورهیف الحس أبیا

حین أرى القبح أثور، وتعصرنی الآلام.. أکاد أُجَنُّ إذا طالعنی الظلم، وجابهنی 

  القهر..

 وأکاد أجن إذا أبصرتُ ضحایا الفقر..([24])

فالأسطر الشعریة السابقة تجسّد محاکمة المتنبی واستجوابه أمام قاضی القضاة، وقد دفعت به –ظلمًا- ید السلطة الغاشمة إلى غیابة السجن، فانساب دفاعه عن نفسه سلسًا متدفقًا، ممتزجًا بشاعریته الوقادة، یعکس تفاعلًا إنسانیًا عمیقًا مع الطبیعة، وتوحدًا متماهیًا مع الکائنات؛ فهو عاشق للحسن، محبٌّ للمرأة، بصیرٌ بجمال الکون، کاره للقبح، یده مبسوطة بالإحسان، یُجلو الأرواح والنفوس والإحساس بفنه الخالد، یصرخ فی وجه الظلم؛ ینتفض لضحایا الفقر. وهذه اللوحة الفنیة نسجت خیوطَها الملامحُ الدالة فی شخصیة المتنبی وحیاته التی التقطها المبدع التقاطًا مدهشًا، وفی مقدمتها شاعریته المتدفقة اللماحة، ثم حساسیته المفرطة وحبه للکون والحیاة ، وسجنه لکونه سجین رأیٍ خارج عن السلطان.

ومن المسرحیات التی اتخذت شخصیة المتنبی- أیضًا- محورا فی تصویر أحداثها الدرامیة مسرحیة "المتنبی فوق حد السیف" للشاعر محمد عبد العزیز شنب، حیث لجأ الأدیب إلى تراثه مستدعیًا أحد عناصره الثریة من الواقع التاریخی فی مهارة فنیة فائقة "حتى یستطیع أن یَعْبُرَ بالشخصیة التراثیة تخومَ (التعبیر عن الموروث) إلى(التعبیر به)؛ لأن الشاعر فی إطار المسرحیة یجد نفسه أکثر التزاما بجوهر الملامح التراثیة للشخصیة التی یستخدمها حیث لا یتناولها مستقلة، وإنما یتناولها فی إطار علاقاتها المتشابکة بسواها من الشخصیات"([25])؛ لذا فالشاعر هنا ینبغی أن یوائم بین هدفه من عمله المسرحیِّ والالتزام التاریخی، وبین إضفاء ملامح المعاصرة على شخصیته المستدعاة؛ حتى تتغلغل الشخصیة المستدعاة فی نسیج العمل الأدبی.

 ومسرحیة "المتنبی فوق حد السیف" نُشِرت عام 1986 م ، وتتکون من ثلاثة فصول؛حیث تبدأ المسرحیة بمشهد المتنبی فی الصحراء بینَ وقت الظهیرة والعصر فی یوم شدید الحرّ، وقد أصابه الإعیاء، فیطلب من راعٍ فی الصحراء أن یناوله قطرة ماء، وکأن الشاعر أراد أن یعلل سبب اختیاره لشخصیة المتنبی منذ البدایة، فالمتنبی فارس وشاعر یجمع خلال الفروسیة الصلبة وموهبة الأدیب اللسن، وأحداث عصر الکاتب تحتاج فارسا صلبًا وأدیبًا لسنًا، ویبدو أن هذا المدخل البارع کان مهیئًا لاستدعاء شخصیة المتنبی، لاحتدام الصراع فی المسرح الشعری بین الکلمة والسیف، وبیان أیهما أقوى فاعلیة وأشد تأثیرًا؟ غیر أن الشاعر أنهى الجدل الدائر حولهما، وأجاب عن السؤال باستدعائه شخصیة المتنبی؛ فالمتنبی صاحب السیف والخیل والبیداء، ورفیق القلم والقرطاس معًا، وهو الشخصیة التی یتقاطع واقعها التاریخی مع عصر الکاتب، یقول الأدیب على لسان المتنبی:

المتنبی:...

       أتنقل بین الحلم وبین الواقع

      یغمر نفسی ضوء الحرف ولمعة سیف لا یصدأ([26])

وعلى لسان الراعی: سبقتک إلینا أشعارک وقصیدک فی سیف الدولة وکذا کافور الإخشیدی.. أنت القائل  فی سیف الدولة:

 ( یا أعدل الناس إلا فی محاکمتی           فیک الخصام وأنت الخصم والحکم )

     والقائل أیضا:

          ( الخیل واللیل والبیداء تعرفنی    والسیف والرمح والقرطاس والقلم )([27])

      وکأن الأدیب أراد أن یصرح منذ البدء أنه یستدعى شخصیة المتنبی فی سیاقها التاریخی لکونه یمثل  قناعًا لشخصیة الأدیب الثائر بالکلمة والقوة معًا؛ لکی یقدم"من خلال القناع الرمزی الخادع، وجهة نظر معاصرة، فیما یدور حوله من قضایا فکریة واجتماعیة وسیاسیة، ولا شک أن المحور أو المضمون السیاسی هو الزاویة الأثیرة لدى أدیبنا العربی الیوم."([28])

وتدور فکرة المسرحیة حول مملکة تحکمها إحدى الملکات، وما أبشع الظلم إن کان مصدره امرأة، وهی رمز الرقة والرحمة فی هذا الکون، فإن حکمت وظلمت یُعَد الظلم مفارقة لطبیعتها، ومجانبة لأنوثتها الرحیمة، وأراد الأدیب أن یرسم صورة استبدادها بدایة؛ حیث إنها استبدت واحتکرت اسم المملکة حتى تسمَّت باسمها، فالملکة شمس، والمملکة مملکة الشمس، إذن فالمملکة مملکتها:

الراعی:...

فأنت الآن فی مملکة الشمس

المتنبی: مملکة الشمس ؟ ...

 المتنبی:... ما اسم الملکة ؟

الراعی: شمس..([29])

        وللأسماء دلالتها حین توظف فی الفن، فالملکة شمس إن عدلت أنارت، وإن جارت أحرقت، کما أن الراعی ساکن الصحراء اسمه"مصباح"، ینیر لیل الصحراء بنقائه وبساطته، یاللتناقض! مصباح فی مملکة الشمس! فماذا یفعل ضوؤه بجوار الشمس إنه خافت ضعیف؟!إنه من الرعیة الذین عانوا ظلما وفقرا وقهرا ، ولم یُسمَّ قمرًا أو بدرًا، وإنما هو "مصباح" متواضع، ولقد کان لقاء المتنبی الشاعر بالراعی مشهدا افتتاحیًا رائعًا للمسرحیة، حیث نقل الأدیب صورة الظلم فی مملکة الشمس، فالملکة تقیم فی أعظم قصر فی مملکة الشمس التی ملئت خزائنها ذهبا عن آخرها، وهذا الذهب محصولٌ من کدح  الفلاحین البسطاء والصبایا الحسان:

المتنبی: من أین الذهب إذن؟

الراعی: من عرق الفلاحین البسطاء ..

 من کدح الإنسان المطحون هنا فی مملکة الشمس

 من ثمن ضفائر عذراء لا تحمل حقدا للملکة

المتنبی: ماذا تقصد؟

الراعی: ( بحزن ) إذا طال شعر البنات وصار یلامس أردافهن یحین قطافه

        وساعتها لیس ینفع دمع ولا صرخة

        ویجمع ما قص من شعرهن کی یرسلوه ممالک أخرى .. ([30])

    ونجد الأدیب فی الحوار السابق یستعیر شیئًا من مقولة القائد الأموی المحنک"الحجاج بن یوسف الثقفی" فی خطبته المشهورة فی الکوفة أولَ ولایته على العراق، بعد تحویل زمن الفعل من الماضی إلى الحاضر،ولهذا الاستدعاء فی قوله (یحین قطافها) دلالته الموقفیة فی استحضار أجواء الظلم والاستبداد المصاحبة لهذه المقولة وإسقاط صفة المعاصرة على المشهد المسرحی ؛ فالظلم ظلم ، وإن تنوعت مظاهره وأسالیبه، وإن اختلفت شخصیاته وأزمانه، فحال الراعی دالٌّ على الظلم قبل کلامه، فهو یرى قصر الملکة أمام ناظریه، الملکة التی ترفل فی الذهب وفی النعیم، والراعی لا یملک إلا کوبَ لبن!

  وفی ظل أجواء الظلم یأخذ المتنبی قرارا سریعا بالذهاب إلى قصر الملکة، ویرى الراعی أن ذهابه للقصر الملکی مغامرة لا تُحمد عقباها، ویأتی المشهد الثانی فی قصر الملکة فیُبرز فیه الأدیب غوایةَ الملکة لشعر المتنبی قبل رؤیته، وعندما یستأذن المتنبی بالدخول علیها، ترحب به، وتطلب منه أن یُسْمعها بعضَ أشعاره، وتمعن الملکة فی حسن استقبال الشاعر، فتأمر بنزوله فی القصر الشرقی، أکبر قصر فی المملکة ، کما تهبه ضیعة بجوار القصر، وتأمر حراسها أن یُعامَل مثل أمیر، فتحبه الأمیرة "ابنة الملکة" ویدور هذا الحوار بینهما:

المتنبی: شیء مؤسف .. لم أعثر فی مملکة الشمس على کتاب واحد یختلف إلیه

          محبو العلم وعشاق المعرفة

الأمیرة: ما دام النَّاس هنالک تأکل وتشرب.. فلماذا البحث إذن عن علم

        أومعرفة؟

المتنبی: أتمنى أن أجد غدا.. مدرسةً أو حتى کتابا

         أو رجلا یسقی الناس کؤوس المعرفة الحقّة([31])

  فالشعب فی سخرة، لا یقرأ، لا یتعلم، لا ینطق، لا یفهم  هکذا یریده الظالمون منشغلًا بالبحث عن لقمة عیشه، ومن هنا بدأ الکاتب یستلهم المتنبی ویستدعیه لأزمات عصره، فالظلم لن ینقشع، والشعب غارق فی غیابات الجهل، ولا بد من التثقیف والتنویر،حتى یعرف حقوقه فلا یفرط فیها، وواجباته فلا یتوانى عنها. وهنا یجب أن ینتشر العلم وتتوافر ینابیع المعرفة، غیر أنها (المعرفة الحقّة)، فلن ینفع الشعب إلا المعرفة الحقیقیة التی تُبَصِّرُ العقولَ، لا التی تغیبها، أی أن العلم لا یخضع لسیاسات الظلم وتبریرها، ولکن العلم یُخضِعُ الظلم ویزیله ویحیله عدلا وأمانا بتبصیر الشعب. ""وإنما یجود الأدب فی تصویر المعاناة وتمزق الوعی وعرض المناطق التی تعوزها الفضیلة"([32])

     ولم یُخفِ الأدیب عصریة بطله وآنیة مشهده، فیکسو المشهد سمات معاصرة، فالمتنبی الذی استدعاه الشاعر من العصر العباسی فی القرن الرابع الهجری، یتحدث مع الأمیرة عن القنبلة النوویة، یقول:

المتنبی: أفهمت بأن العالم أضحى لهبا أزرق

         أضحى قنبلة فوق غبار نووی.. أضحى إنسانا ثملا

        یقف الآن على هاویة القلق المنحدرة فی الغابات المجهولة([33])

والشاعر هنا لا ینفصل عن هموم الناس، والوطن، والعالم من حوله، حتى وإن سکن قصرا أو مملکة، فسیظل العقل الحکیم والعین المبصرة، فیرى العالم من حوله یتصارع، یتطاحن، یتقاتل، وقد صار عالمًا متوجسًا هشًّا ضعیفًا أشبه بالثمل النشوان رغم امتلاکه قوة النووی، غیر أن الأمیرة الصغیرة تعیش أحلام الأنثى، ولم تدرک معنى کلیماته، وکادت تنکر علیه إحساسه بالناس، وبالوطن، وبالعالم من حوله، إنها ترید أن یکون الشاعر لها وحدها، وبخاصة أنه تزوجها، فالطبقة الحاکمة تعیش فی برجها العاجی وترید أن یکون الشاعر شاعرَ القصر لا یشعر بما یقاسیه عامة الشعب:

الأمیرة: ( مقاطعة ) أنا لا أفهم من هذا شیئا.. لا أفهم إلا

        أنَّک لی.. لی وحدی.. کلماتک لی.. نظراتک لی

        خفقاتک لی.. أفراحک لی.. حتى آلامک لی.. لی وحدی

        المتنبی: الشاعرُ مِلْکُ النَّاس([34])

وهنا یجیب الکاتب على لسان المتنبی فی مشهد آخر بأن  الشاعر لا ینفصل عن الناس، ولا ینعزل عن بنی وطنه، بل هو لسانهم الناطق وصوت الحکمة فیهم، یرسم أحلامهم بکلماته، ویدافع عن حقهم بما أوتی من قوة، "فی إطار مضمون مؤثر یقترب منا حینا بدلالة سیاسیة واجتماعیة مباشرة، ویرتفع بنا حینا آخر بدلالة إنسانیة عامة"([35]) یقول المتنبی محاورا "الراعی":

المتنبی: ما الذهب وما الفضة؟ ما القصر النائم فوق بساط أخضر.. ما الحب إذا لم یصبح             أملا وردیا فوق شفاه الناس([36])

والمتنبی ذلک الصوت الآتی من الزمن الغابر، یعد أحد المعطیات النفسیة والفکریة والأدبیة والسیاسیة التی تعید اکتشاف الإنسان لنفسه ولجذوره الضاربة فی أعماق التاریخ؛ فحضور المتنبی"یضفی على العمل الشعری عراقة وأصالة، ویمثل نوعا من امتداد الماضی فی الحاضر، وتغلغل الحاضر بجذوره فی تربة الماضی الخصبة المعطاء ..." ([37])

   وتتصاعد الأحداث الدرامیة بتأجج الصراع بین المتنبی والسُّلطة الحاکمة مما یلقی بالمتنبی إلى غیابة السجن، وقد أراد المبدع أن یبرز هدف المسرحیة خلال هذا الحوار المسرحی بین المتنبی والملکة، وهو أن الفکر والرأی باقٍ بقاءَ العالم، ولیس مرهونًا بفناء أصحابه الشرفاء، فصوت العدل والحق صوت أبدیّ، سیظل یتردد عبر الزمن حتى وإن قُتل صاحبه بسیف أو اغتیل برمح، فلن تخمد نیران الثورة التی أشعلها استبداد الظالم بالمواطنین البسطاء، یقول المتنبی:

المتنبی: إعدام؟ هیا.. اقتلنی إن شئت

          أسکن سیفک فی کبدی

         أو فاغرز نصلک فی کبدی

         لکنک لن تقدر أن تنزع أفکاری منی

الملکة: مطلوب منک الآن.. إسکات الأصوات الغوغاء

        هذی الأصوات تزعج آذانی الملکیة

المتنبی: إسکات الأصوات الغوغاء فی ید مولاتی الملکة

          فیما تملکه من أجهزة بولیسیة فیما تملکه من قوة

         أنا فرد فی مملکة الشمس.. لا حول ولا قوة لی([38])

   والأدیب یذکر من خلال حوار المتنبی مع الملکة أن إسکات الشعب لیس بید الشاعر صاحب الرأی الحر، بل بما یملکه الحکام من أجهزة بولیسیة وقوة قامعة، ویأبى المتنبی أن یکون صوتا للظلم، بل کان صوت الأمل والحریة، فالشاعر المثقف إن تملکه الیأس فقد حکم على بنی وطنه بالموت رغم أنهم أحیاء، ومن الکلمات التی ساقها عبد العزیز شنب على لسان المتنبی فی سجنه:

المتنبی: فی عینی الآن.. یبدو الشاطئ لیس بعیدا

         فوق الشاطئ نخل وظلال..

         ونسائم صبح خمریة ..

         لا یعرفها إلا من عشق الأحلام

         وسار على أرض الواقع .. فی عینی الآن

           ...

المتنبی: ما أحلى الصمت! .. یؤنسنی فی هذا السجن الملعون

  لکنی أسمع شیئا خلف جدار الصمت..

لکنی لست أمیزه...([39])

 إن کلمات الشاعر أیقظت الشعب، وعلى الرغم من سجنه فهو متفائل، یشعر بدبیب الثورة یتحرک حتى بات شاطئ الحریة والعدل قریبًا، وقد لمس الأدیب أمرا یعد بمثابة الخیط الرفیع للشاعر، فالشاعر یعشق الأحلام لکن أیة أحلام؟ یعشق الأحلام الراسخة فوق أرض الواقع لا یَنْبَتُّ عن حیاة وطنه وواقع مجتمعه.

      وأنهى عبد العزیز شنب مسرحیته بقتل المتنبی فی الصحراء؛ حیث استدعى المؤلف نهایة أبی الطیب الواقعیة([40]) فی الصحراء ، وکانت آخر کلماته فی المسرحیة:

المتنبی: ( بضعف شدید ) هم شوک الأیام.. وصخور الماضی المؤلم

           هم حفنة أحجار یرمیها القلب الیائس من أنسام المستقبل.. هم

ثانیًا- شخصیة غیلان الدمشقی :

ومن الشخصیات التراثیة التی التقطها الشاعر المسرحی بعدسته الفنیة شخصیة "غَیْلان الدمشقی"التی وظفت فی مسرحیة "ضمیر الغائب" للشاعر عبد المنعم محمد العقبی )[41](، الحائزة على جائزة محمد تیمور للإبداع المسرحی.

وغَیْلان المذکور هو غَیلان بن مسلم الدمشقی، أبو مروان، المعروف بغیلان القَدَریّ، وهو من بلغاء الکتّاب، وتنسب إلیه فرقة الغیلانیة من القدریة، وقد قیل إنه تاب عن القول بالقدَر على ید عمر بن عبد العزیز، ولما مات عمر جاهر بمذهبه، فاستدعاه هشام بن عبد الملک وأحضر الإمام الأوزاعی لمناظرته فأفتى بقتله، فصلب على باب کیسان بدمشق، أبو مروان القَدَری مَوْلَى عثمان ابن عفان([42])، ویمهد المؤلف لشخصیة غیلان فی مقدمة المسرحیة قائلا " وتدور أحداث هذه المسرحیة فی دمشق مقر الخلافة وفی العراق أرض الانفجارات السیاسیة وکل شخصیاتها واقعیة وحقیقیة ما عدا "غیلان" هذا الغائب الحاضر الذی علینا اکتشافه بین سطور المسرحیة أو اکتشافه فی أنفسنا "([43]) ، ویقول عنه أیضا عند تعریفه لشخصیات المسرحیة "غیلان": شیخ فی الستین متحدث وحکیم، شخصیة غیر واقعیة لم یأتِ به التاریخ لأنه ما زال یحمل فوق کهولته أعباء التاریخ وأعباء الزمان والمکان"([44])

   أقر الأدیب بأن غیلان شخصیة غیر واقعیة، بالرغم من أنها تاریخیة وذُکِرتْ فی مصادر التاریخ! وقد یکون الأدیب أراد بذلک أن ینأى عن أیة مخالفات تاریخیة من خلال تناوله شخصیة غیلان بوصفها قناعًا.

    زمن المسرحیة الفترة التی سبقت خلافة الخلیفة الأموی الذی ملأ الدنیا عدلا "عمر بن عبد العزیز"، ثم فترة تولیه الخلافة ثم تفضی الأحداث إلى موته-رضی الله عنه- وقد کان"یزید بن المهلب" والیا على العراق، وعُرِف بالطغیان والظلم؛ لذا وقف غیلان فی وجهه، ومما جاء على لسان یزید متوعدا غیلان، وکأن للحجاج توابع لا تنتهی:

یزید بن المهلب: غیلانُ مَنْ هذا القعید تقصُّه فی رؤیتی؟

     إنِّی صبرتُ علیه حتى یأتینی متلفعا

     بدمِ الذُّنوبِ وبالتُّهم

    أراه رأسا أینعتْ والآنَ حانَ قِطَافُهَا

   والیوم أرسلتُ الحرس

   لیجیئنی فی قیدِه([45])

     فالقید لمن یقول کلمة حق وینادی بحق المواطن فی الحیاة الکریمة، ویزید یکرر کلمات الحجاج بن یوسف الثقفی، فمنهجهما فی الظلم متشابه وقطف الرءوس عندهما ما أیسره، وغیلان کما صوره المؤلف جریءٌ فی الحق؛ فمن کلماته لیزید وهو یحاوره:

غیلان: إنی أرى فی نَفْسِکَ العَجْفَاءِ کِبْرًا

         دون حقٍّ فی السمو وفی العلاء

         وأراک ترحل فی غرورک نحو

         جهلک بالحیاة

یزید بن المهلب: هیَّا اجلدوا هذا المُکَابِر

                 وارجموه أمامَ عینی 

                 واقتلوا فیه البلاغةَ واللسان

                 ومزقوه ومزقوا فیه الحُجَج([46])

    یظلم الوالی بنی جلدته ویتکبر ویتجبر، وأکثر ما یخاف منه کلمة حق، فکل ما یریده قتل التعبیر عن الظلم بلسان البلیغ الحکیم، وتمزیق الحجج المبرهنة على ظلمه وجوره.

   وأراد المؤلف أن یؤکدأهمیة إیجابیة الشعب؛ فاستدعى شعبا إیجابیا شجاعا غیر هیَّاب؛ یعضد إیجابیة غیلان وشجاعته، فالناس ثاروا لنصرة غیلان؛ أی لنصرة الحق، وهذا نداء من الکاتب لشعبه، نداء یصقله التاریخ، والموقف التاریخی الذی شهده التاریخ کثیرا القمع والتهدید بالقتل، فالحاکم الظالم لدیه الاستعداد لقتل الشعب أجمع لیحافظ على الحکم أو لیحتفظ بالحکم:

یزید بن المهلب:...

                 عُودوا إلى أوکارکِم مِنْ قَبْل أنْ ینسَلَ

                 سیفی غاضبا

                لیهیجَ فی أعناقِکُمْ

               غیلانُ شیطانُ الخروج یرید تقویض

               النِّظَامِ وقلبه

               فتخیروا وفدا یشاهدُ حکمَهُ

              ولتبقى للنَّاسِ السَّکِینَةُ والأمان([47])

      یموت الشعب لیبقى الحاکم.. تلک فلسفة الظلم، ویستتبعها سیاسة تکمیم الأفواه للعیش فی سلام وأمان، ولکنه عیش الخنوع والذل والهوان على أرض الوطن الذی لا یلیق به إلا الأبناء البررة الشرفاء.

     ومن التهم التی ألقیت على غیلان أنه یهتم بالإنسان، ویأمر بتحریر العبید، وقد قضت محاکمة غیلان بالسجن مدى الحیاة، وغیلان فی هذه المسرحیة یمثل رمزًا للضمیر الیقِظ فسجنه حبس للضمائر کلها.

  وأشار المؤلف کیف یصیر الوطن بالظلم سجنا لأبنائه، حیث کانت من حیل یزید بن المهلب أن یلقی معه فی السجن من یحاول أن یثنیه عن طریق الحق، وأن یقول کلمة یخضع بها للسلطة ویعد بأن یکف عن الدوی فی عقول الأبریاء، وکأن غیلان یغوی الشعب لتبصیره بحقوقه، فقد کان یحاور غیلان فی سجنه خمسة أصوات من الشعب، وکان أکثرهم تسلیطا علیه الصوت الخامس:

الصوت الخامس: ما شأننا بالآخرین

                  ونحن نسکن فی غیابات السجون

                 على المواجع دونهم؟

غیلان: هم مثلنا

                 لکن سجنَهم المدینة کلُّها

                وجمیعنا یمشی على النجوى أسیر

   الرَّجُل:  الخوفُ سجنُهم الکبیر

               الخوفُ سجنُهم الکبیر([48])

     فالأحرار أصحاب المبادئ الذین لا یعرفون الخوف ولا یخشون تجبر الطاغیة، الذین أیقنوا أنهم زائلون والوطن باقٍ؛ فهم أحرار وإن أحاطت بهم جدران السجون، أما الخائفون فمسجونون فی جدار من الخوف یعزلهم عن تحریر وطنهم من کل ظالم.

   ویأتی صوت غیلان عبر الزمان لیقول المؤلف على لسانه إن مطلب الإنسان الدائم فی کل عصر، هو الشعور بالأمان فی وطنه "لیصبح وسیلة للحدیث عن خصوم سیاسیین، فی السنوات التی نعیشها نحن فی هذه الأیام"([49]):

غیلان: فی النَّاسِ قَلْبٌ مشترَکْ

        هو حُلْمُهُمْ بالأمنِ ثوبًا للحیاة([50])

   فالمسرح إذن معلم للشعب ومبصِّر له - کما نعلم- وحینما یؤازره التراث یزداد ثقلا وصقلا، ویصبح أکثر تأثیرا، وهنا نجد المؤلف یبعث لنا بنبرات تفاؤل یرددها صوت التاریخ، فجراح الشعب ومعاناته تدفعه دفعا للخلاص وتخلیص الوطن من الظلم:

الصوت الأول: نحنُ جمیعًا أقویاءٌ بجُرحنا

               والجُرْحُ جیشٌ قادمٌ

               یقوى على کلِّ الجیوشْ([51])

    وبعد ذلک یجیء کبیر الحراس؛ لیعلن أن الخلیفة العادل"عمر بن عبد العزیز" قد أمر بأن تخرج الناس له للحساب؛ لیرهف سمعه لمظالم الناس بألسنتهم التی تدفعها قلوب استشعرت الظلم. فهذا عمر شخصیة واقعیة فی تاریخنا العربی الإسلامی، فعدله لیس خیالا وإنما هو مسطور فی سجل تاریخنا لیستلهمه من أراد العظة، ویقتدی به من أراد الاقتداء، وکأن مؤلف ضمیر الغائب یفتح لنا باب عدل من واقع التاریخ، یحمل حلولا لمشکلات وطننا، ویهمس أن بدایة الخروج من عنق الزجاجة ااستماع الحاکم إلى شعبه والاهتمام بأمره، ثم توخی العدل فی سیاسته.

یقول شاعرنا المسرحی وکأنه یعطی تعریفا جدیدا للعدل على لسان غیلان مخاطبا الخلیفة العادل "عمر بن عبد العزیز":

غیلان:...

          العدلُ أنْ تصفَ المواجعُ جُرْحَها

          ویهزُّ صحوَ الحاضرین لسانُها

  عمر: هوِّن علیک أبی جراحک

         وارمها حملا علیّ )[52](

    فاستدعى المؤلف من التراث ما یؤکد أن إصلاح الوطن یتطلب حاکما عادلا یستمع إلى مواجع شعبه، ویحملها عنهم، ویصلح ما استطاع فیهون علیه کل صعب. وهذا ما ساقته أحداث المسرحیة بالفعل حیث استدعى عمرُ یزیدَ بن المهلب لیَعْرِضَ المظلومون من أهل العراق شکواهم أمامه وأمام رجاء بن حیوة مستشار عمر وقاضی أموره. کما استدعى قضاة العراق الذین قضوا بکفر غیلان؛ فکان اللقاء بمثابة قاعة محکمة لینظر عمر فی الأمر حتى یقضی بالحق.

    ومن الأمور التی أبرزها الکاتب من خلال استدعاء شخصیة "غیلان" ظاهرة نفاق الرعیة للحاکم تلک التی ساندت تجبر الحکام، وأعلت فی نفوسهم التکبر على الرعیة فی کل زمان ومکان، فشخصیة غیلان "لیست سوى قناع ینطق الشاعر من خلاله فیتجاوب صوت الشخصیة المباشر مع صوت الشاعر الضمنی"([53]) واتضح ذلک من خلال الحوار الذی جاء على لسان قضاة العراق، قضاة یزید بن المهلب عندما دخلوا على عمر قائلین:

القضاة: السلام علیک یا قلبَ الرَّعیةِ والروائع

         یا أمیر الحاکمین بما تنزل من

         شرائعْ

        یا کسوة...

       مثل الثمار على سریرةِ کُلِّ جائعْ

      "غیلان مقاطعا"

غیلان: کذبت قصائدکم

        وأنتم کاذبون

        هو لیس قلب للرعیة إنه من بینهمْ

        أو مثلهم فی کل شیء

        هو لم یُحَکِّمْ ما تنزلَ مِنْ شرائع

       إنه لم ینقضِ للحکمِ یومْ

        هو لم یقم وعلى یدیه قلادة ترضی

        الجیاع قولوا عمرْ([54])

     وهنا حقیقة یسوقها الکاتب؛ فدومًا یحتفل الشعب بتولی الحکام الجدد قبل أن یقدموا شیئا للوطن، یمدون الحاکم الجدید بسیل من النفاق، وکأن صفات الجلال والکمال قد علقت بالکرسی.

     بید أن عمر-رمز العدل فی کل عصر- لم یعبأ بالمنافقین، وساق المؤلف على لسان غیلان ناصحا عمر، أن الحاکم المسئول الأول عن رعیته، فللحکم تبعات ثقیلة ، کما أنه أمانة جسیمة تنوء الجبال بحملها، وعمر یقبل نصح غیلان الذی یمثل فی المسرحیة صوت الضمیر، بل إنه أراد أن یولی غیلان الولایة فی العراق:

غیلان: ( لعمر)

         وأراک وحدک قادرًا أنْ تُبْصِرَ

       الإنسانَ فیّ بما حملتَ من الأماناتِ

       الثقیلة والحساب

عمر: الآن قد أبصرت أنَّکَ فی دَمِی

      متوهجا([55])

     فغیلان یمثل لعمر الضمیر الیقظ الذی یسری فی دمه، فضمیر عمر ضمیر بارز متصل بالله-تعالى- ولیس ضمیر الغائب. یقول عمر عن غیلان فی حواره مع یزید بن عبد الملک:

یزید بن عبد الملک: ما بال عقلک یا عمر؟

                   هل أفسدَ الإنسانَ فیک؟

عمر: بل أحیا فیّ ضیاءَ قلبی

                   بعد ما حَطَّتْ على أرجائه سُحُبُ

                  الغیومْ ([56])

وعندما سأل عمرُ غیلانَ عن هدفه، مستفسرًا منه : ماذا یرید، أجاب غیلان :

غیلان:...

         لا قصد لی فی أمرکم ْ

         بل مقصدی...

         وطنٌ رحیبٌ فی نفوسِ الحائرین([57])

    فالنفوس الحیرى التائهة التی یعتمل فیها الصراع، تحتاج ضمیرا یحیا بها، فتکون للضمیر وطنا ، یسکن فیه حتى تسکن النفس وتهدأ.

    وقد أفضت أحداث المسرحیة إلى موت عمر بن عبد العزیز-الخلیفة العادل- فوقع غیلانُ مرة أخرى فی براثن الظلم، وحکم القضاة بشنقه، ولیشهد الجمیع شنقه؛ لیکون عبرة وعظة فیعیش الناس فی صمت الظلم.

   ثم یعلن الکاتب أن الضمیر الإنسانی- إذا کان قد تجسّد زمنًا فی شخصیة غیلان المستدعاة التی قضى الحاکم الظالم بإعدامها فی المسرحیة – فإن صوت الحقّ باقٍ لن یغیب ولن یفنى بفناء الشرفاء، بل سیظل یتردد فی کل زمان ومکان؛ یقول غیلان مخاطبا مَنْ ظَلَمَهُ من بنی أمیة:

غیلان: لن تنتهوا من مقتلی

        فأنا إذا أعدمتنی فی غورِ نَفْسِک

        سوف أظهرُ فی بنیکَ مُجَدَدًا

        ولسوفَ أَسْکُنُ فی غدِ الأرحام

       أدعو للحقوق

       لن تنتهوا مِنْ حُکْمِکُم

       فأنا الضمیرُ الآدمیُّ...

       تجسدی شوقا إلى رؤیا عمر

      هذا الذی وطأ الخلافة رافضا

      متثاقلا.. خوفًا لأهوال الحسابْ

      أحیا النفوسَ من المذلة

      والمظالمُ رَدْهَا

      باعَ المتاعَ لتستوی الأنفاس

     فی حق الحیاة([58])

          صرح الشاعر فی السطور الشعریة السابقة بالأسباب التی استدعى شخصیة            " غیلان" من أجلها، فغیلان یمثل الضمیر الإنسانی فی کل زمان ومکان، ولن یموت فهو قابع فی النفوس والأرحام، وسیستمر بعثه، وقد جسده المؤلف فی صورة بشریة لیمثل ضمیر"عمر بن عبد العزیز" لیقتدی به کلُّ راعٍ؛ فلم یطلب الخلافة بل أتت إلیه طالبة؛ لأنه یخشى یوم الحساب، فتحرى العدل ما استطاع، فعدل بین النفوس بل والأنفاس، وکأنه وزع عدل فی کل شىء حتى توزیع الهواء فلم یفت عدله وورعه مالا یُمسک بالیدین، فما بالنا بما یُمسک؟!!

    ثم تنتهی أحداث المسرحیة نهایة تتناسب مع التأکید الدائم على أن الضمیر الإنسانی یبقى مهما قاومه الظالمون؛ حیث یأمر یزید بن عبد الملک بتنفیذ حکم الإعدام على غیلان، وهنا تتفاعل الطبیعة مع هذا الحدث وکأنها رسالة السماء، وأن ما ینفع الناس سیمکث فی الأرض، حیث تنطفئ السماء وتختفی الشمس، وتصیح الریاح والأتربة، وتتزاحم الغیوم حتى تغشى الأبصار، ثم تطلع الشمس فی لحظة، وأین غیلان من حبل المشنقة؟ إنه اختفى، ثم یأتی غلام مخاطبا یزید بن عبد الملک:

الغلام: یا سیدی..

        یا سیدی..

        حل الفسادُ بأرضِنا

       وجرى الهلاک بثورة تجتاحنا،

       ویقودها رجلٌ على أقصى صعید

       بلاد مِصْرَ یهزُّها یرفض ولاة بنی

       أمیة والخراج، یسبُّ فی ذات الخلیفة

      والقضاة وإنه یُدعى غیلان([59])

   وهنا یُسدل ستار المسرحیة وتنتهی أحداثها، وضمیر الإنسانیة لا ینتهی، فإن غاب سیعود وإن استتر سیظهر فی کل زمان ومکان، هذا ما أراده الکاتب من استدعائه لشخصیته التاریخیة، وجعل آخر ظهوره فی مصر وطن المؤلف لیتوج حلمه بوطن تحیا فیه الضمائر ولاتموت، وطن لا استتار فیه لضمائر الشعب.

الخاتمة :

  تناول هذا البحث قضیة استدعاء الشخصیات التراثیة فی المسرح الشعری وتوظیفها فی التعبیر عن قضایا الوطن المعاصرة - کما أرادها شعراء المسرح فی الفترة موضوع البحث - إیمانا منهم بتراثهم الذی یحمل عبق الماضی، ویمتد أثره للحاضر الذی یعوزه حکمة السابقیین، فتحاورَ الماضی فی قضایا الواقع المعاصر بحوار شعری مُقَنَّع یعبر عن فکرة مسرحیة ، ویُفضی إلى الأحداث ومن ثم إلى الصراع بین شقی الحیاة العدل والظلم. وخیر ما یُختم به هذا البحث الذی تناول قضیة التراث مقولة المبدع والمفکر(صلاح عبد الصبور) حیث یقول عن أهمیة التراث: "وأدبنا الحدیث لن یصلب عوده، وتستقیم مفاهیمه، إلا إذا واجهنا التراث مواجهة شجاعة فألقیناه من على ظهورنا، ثم تأملناه؛ لنأخذ منه ما یصلح لنا فی مستقبل أیامنا، فضممناه مغتبطین إلى مکونات أنفسنا"([60]) واستدعاء الشخصیات التراثیة یصلب عودنا بعد تحلیل دقیق للأحداث والمواقف التاریخیة فینیر درب حاضرنا، لنرنو لمستقبل أفضل.

 

وقد توصل البحث إلى عدد من النتائج؛ لعل أهمها:

أولًا- أنَّ استدعاء الشخصیات التراثیة ظاهرة متکررة فی المسرح الشعری، وکانت بمثابة القناع

     الذی استتر الأدباء خلفه لیعبِّرُوا عن آرائهم بحریة.

ثانیًا- أن استدعاء الشخصیات التراثیة فی المسرح الشعری صار یمثل ظاهرة بعد نکسة 1967م؛ وکأن الأدباء أرادوا أن یستمدوا انتصارهم المفقود من ماضیهم، فارتدوا للخلف حالمین بقوة کقوة تراثهم.

ثالثًا- أنَّ الحاضر لا ینفصل عن الماضی، فالأحداث تتشابه ؛ لذا لا بد من الاتعاظ بمواقف

      السابقین للارتقاء بالوطن.

رابعًا- انشغال أدباء المسرح الشعری بقضایا الحریة والعدالة الاجتماعیة فی بلادهم وتأثرهم   بمعاناة بنی الوطن، وظهور أصداء هذا التأثر جلیًا فی مسرحیاتهم .

خامسا- بروز شعور القومیة العربیة فی توظیف الشخصیة التراثیة فی المسرح الشعری   المصری بوصف مصر جزءًا لا یتجزأ من الوطن الأم یتأثر بها، کما تؤثر أحداثه فیها.

سادسًا- لجوء المبدع المسرحی أحیانًا إلى التصریح بما یخالف الواقع لتمریر الوعی بقضیته حتى یتجاوز الصدام مع الآخر مثلما صرَّح الأدیب محمد عبد المنعم العقبی فی مقدمة مسرحیته بأن "غیلان الدمشقی" شخصیة غیر واقعیة ، فی حین أنها "شخصیة تاریخیة واقعیة" أثبت التاریخ حضورها .

 

 

 

 

 


هوامش البحث

(1)   د. صلاح فضل: مناهج النقد المعاصر، دار الآفاق العربیة، 1997م. ص33.

(2)   د. علی عشری زاید: استدعاء الشخصیة التراثیة فی الشعر العربی المعاصر، القاهرة، دار غریب، 2006م، ص 13.

(3)   فاطمة یوسف محمد: المسرح والسُّلطة فی مصر من 1952: 1970، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1994م، ص 90.

(4)   د. نبیل راغب: لغة المسرح عند ألفرید فرج، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1986م، ص 196.

(5)   المویلحی: کلمة فی التاریخ، مصباح الشرق، 12یولیو1902م، ص1، عمود2.

(6)   د. طه وادی: جمالیات القصیدة المعاصرة، القاهرة، دار المعارف، 1982م، ص55.

(7)   یُنظر السابق: ص 55.

(8)   د. سامی سلیمان أحمد: آفاق الخطاب النقدی، مکتبة الأنجلو المصریة، 2008م، ص276.

(9)   د. طه وادی، جمالیات القصیدة المعاصرة، القاهرة، دار المعارف، 1982م، ص 93.

(10)        د. جودة عبد النبی جودة السید: المسرح السیاسی المعاصرفی مصر، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 2015م، ص 16.

(11)        علی جعفر العلاق: فی حداثة النص الشعری- دراسة فنیة، ط1، عمان، الأردن، دار الشروق، 2003م، ص37.

(12)        صلاح عبد الصبور: الأعمال الکاملة، الأوراق السیاسیة، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1992م، ص 584.

(13)        د. سید علی إسماعیل: أثر التراث العربی فی المسرح المعاصر، القاهرة، دار قباء، 1999م، ص 46.

(14)        استدعاء الشخصیات التراثیة فی الشعر العربی المعاصر،ص 124.

(15)        د.مصطفى ناصف: اللغة بین البلاغة والأسلوبیة، النادی الأدبی الثقافی، جدة، 1989م، ص291.

(16)        عبد الله أبوهیف: قناع المتنبی فی الشعر العربی الحدیث، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، 2004م، ص119.

(17)        استدعاء الشخصیات التراثیة فی الشعر العربی المعاصر: ص 138.

(18)        شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان الذهبی: تاریخ الإسلام ووفیات المشاهیر والأعلام، تحقیق د. عمر عبد السلام تدمری، دار الکتاب العربی، بیروت، ط1، ص 152.

(19)        أنس داود: مسرح أنس داود، الجیزة، هجر للطباعة والنشر والتوزیع، 1989م، مسرحیة محاکمة المتنبی، ص 136.

(20)        السابق: ص 137.

(21)        استدعاء الشخصیات التراثیة فی الشعر العربی المعاصر: ص138.

(22)        مسرحیة محاکمة المتنبی: ص 145، 146.

(23)        السابق: ص147.

(24)        السابق: 149، 150.

(25)        استدعاء الشخصیات التراثیة: ص255.

(26)        محمد عبد العزیز شنب: مسرحیة المتنبی فوق حد السیف، الهیئة المصریة العامة للکتاب،1986م، ص8.

(27)        السابق: ص9.

(28)        جمالیات القصیدة المعاصرة: ص94.

(29)        مسرحیة المتنبی فوق حد السیف: ص10.

(30)        السابق: ص12.

(31)        السابق: ص36.

(32)        د. محمد غنیمی هلال: فی النقد المسرحی، دار نهضة مصر، 1955م، ص6.

(33)        مسرحیة المتنبی فوق حد السیف: ص64.

(34)        السابق: ص64.

(35)        محمود أمین العالم: الوجه والقناع فی مسرحنا العربی المعاصر،بیروت، دار الآداب، ط1، 1973م، ص270.

(36)        مسرحیة المتنبی فوق حد السیف: ص96.

(37)        د. علی عشری زاید: عن بناء القصیدة العربیة الحدیثة، مکتبة الآداب، 2008م، ص 121.

(38)        مسرحیة المتنبی فوق حد السیف: ص83.

(39)        السابق: 87.

(40)        قُتِل یوم الأربعاءلإحدى عشرة لیلة بقیت من رمضان، سنة أربع وخمسین وثلثمائة نیزع، دیوان المتنبی: تحقیق وتعلیق د. عبد الوهاب عزَّام، الهیئة المصریة العامة لقصور الثقافة، د.ت.

(41)        ولد فی فبرایر 1967م بمحافظة البحیرة، حصل على بکالوریوس علوم وتربیة- جامعة الإسکندریة، عضو اتحاد کُتَّاب مصر واتحاد کُتَّاب العرب، موقع التبراة الإماراتی.

(42)        خیر الدین الزرکلی: ترجمة الأعلام، ج5، بیروت، دار العلم للملایین، ط15، 2002م، ص48.

(43)        عبد المنعم محمد العقبی: مسرحیة ضمیر الغائب، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1995م، ص9.

(44)        السابق: ص11.

(45)        السابق: ص19،20.

(46)        السابق: ص25.

(47)        السابق: ص29.

(48)        السابق: ص65.

(49)        د.جابر عصفور: المرایا المتجاورة دراسة فی نقد طه حسین، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1983م، ص375.

(50)        مسرحیة ضمیر الغائب: ص71.

(51)        السابق: ص78.

(52)        السابق: ص87.

(53)        د. جابر عصفور: مجلة فصول (المجلد الأول) العدد الرابع (یولیو1981م- رمضان1401ه) ص123.

(54)        مسرحیة ضمیر الغائب: ص103.

(55)        السابق: ص117.

(56)        السابق: ص 120.

(57)        السابق: ص179.

(58)        السابق: ص243،242.

(59)        السابق: ص245.

(60)        صلاح عبد الصبور: حتى نقهر الموت، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1995م، ص 63


قائمة المصادر والمراجع

(1)   د. جابر عصفور: المرایا المتجاورة دراسة فی نقد طه حسین، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1983م.

(2)   د. جودة عبد النبی جودة السید: المسرح السیاسی المعاصرفی مصر، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 2015م.

(3)   خیر الدین الزرکلی: ترجمة الأعلام، ج5، بیروت، دار العلم للملایین، ط15، 2002م.

(4)   د. سامی سلیمان أحمد: آفاق الخطاب النقدی، مکتبة الأنجلو المصریة، 2008م.

(5)   د. سید علی إسماعیل: أثر التراث العربی فی المسرح المعاصر، القاهرة، دار قباء، 1999م.

(6)   شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان الذهبی: تاریخ الإسلام ووفیات المشاهیر والأعلام، تحقیق د. عمر عبد السلام تدمری، دار الکتاب العربی، بیروت، ط1.

(7)   صلاح عبد الصبور: الأعمال الکاملة،الأوراق السیاسیة،القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1992م.

(8)   صلاح عبد الصبور: حتى نقهر الموت، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1995م.

(9)   د. صلاح فضل: مناهج النقد المعاصر، دار الآفاق العربیة، 1997م.

(10)        د. طه وادی، جمالیات القصیدة المعاصرة، القاهرة، دار المعارف.

(11)        عبد الله أبوهیف: قناع المتنبی فی الشعر العربی الحدیث، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، 2004م.

(12)        عبد الله أبوهیف: قناع المتنبی فی الشعر العربی الحدیث، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، 2004م.

(13)        عبد المنعم محمد العقبی: مسرحیة ضمیر الغائب، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1995م.

(14)        علی جعفر العلاق: فی حداثة النص الشعری- دراسة فنیة، ط1، عمان، الأردن، دار الشروق، 2003م.

(15)        د. علی عشری زاید: استدعاء الشخصیة التراثیة فی الشعر العربی المعاصر، القاهرة، دار غریب 2006.

(16)        د. علی عشری زاید: عن بناء القصیدة العربیة الحدیثة، مکتبة الآداب، 2008م.

(17)        فاطمة یوسف محمد: المسرح والسُّلطة فی مصر من 1952: 1970، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب،1994م.

(18)        محمد عبد العزیز شنب: مسرحیة المتنبی فوق حد السیف، الهیئة المصریة العامة للکتاب،1986م.

(19)        د. محمد غنیمی هلال: فی النقد المسرحی، دار نهضة مصر، 1955م.

(20)                       محمود أمین العالم: الوجه والقناع فی مسرحنا العربی المعاصر، بیروت، دار الآداب، ط1، 1973م.

(21)        د. مصطفى ناصف: اللغة بین البلاغة والأسلوبیة، النادی الأدبی الثقافی، جدة، 1989م.

(22)        د. نبیل راغب: لغة المسرح عند ألفرید فرج، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1986م.

 



 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[58]) مسرحیة ضمیر الغائب ، ص 242 ، 243 .

[59] ) مسرحیة ضمیر الغائب ، ص 245 .

 

(1)   د. صلاح فضل: مناهج النقد المعاصر، دار الآفاق العربیة، 1997م. ص33.
(2)   د. علی عشری زاید: استدعاء الشخصیة التراثیة فی الشعر العربی المعاصر، القاهرة، دار غریب، 2006م، ص 13.
(3)   فاطمة یوسف محمد: المسرح والسُّلطة فی مصر من 1952: 1970، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1994م، ص 90.
(4)   د. نبیل راغب: لغة المسرح عند ألفرید فرج، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1986م، ص 196.
(5)   المویلحی: کلمة فی التاریخ، مصباح الشرق، 12یولیو1902م، ص1، عمود2.
(6)   د. طه وادی: جمالیات القصیدة المعاصرة، القاهرة، دار المعارف، 1982م، ص55.
(7)   یُنظر السابق: ص 55.
(8)   د. سامی سلیمان أحمد: آفاق الخطاب النقدی، مکتبة الأنجلو المصریة، 2008م، ص276.
(9)   د. طه وادی، جمالیات القصیدة المعاصرة، القاهرة، دار المعارف، 1982م، ص 93.
(10)        د. جودة عبد النبی جودة السید: المسرح السیاسی المعاصرفی مصر، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 2015م، ص 16.
(11)        علی جعفر العلاق: فی حداثة النص الشعری- دراسة فنیة، ط1، عمان، الأردن، دار الشروق، 2003م، ص37.
(12)        صلاح عبد الصبور: الأعمال الکاملة، الأوراق السیاسیة، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1992م، ص 584.
(13)        د. سید علی إسماعیل: أثر التراث العربی فی المسرح المعاصر، القاهرة، دار قباء، 1999م، ص 46.
(14)        استدعاء الشخصیات التراثیة فی الشعر العربی المعاصر،ص 124.
(15)        د.مصطفى ناصف: اللغة بین البلاغة والأسلوبیة، النادی الأدبی الثقافی، جدة، 1989م، ص291.
(16)        عبد الله أبوهیف: قناع المتنبی فی الشعر العربی الحدیث، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، 2004م، ص119.
(17)        استدعاء الشخصیات التراثیة فی الشعر العربی المعاصر: ص 138.
(18)        شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان الذهبی: تاریخ الإسلام ووفیات المشاهیر والأعلام، تحقیق د. عمر عبد السلام تدمری، دار الکتاب العربی، بیروت، ط1، ص 152.
(19)        أنس داود: مسرح أنس داود، الجیزة، هجر للطباعة والنشر والتوزیع، 1989م، مسرحیة محاکمة المتنبی، ص 136.
(20)        السابق: ص 137.
(21)        استدعاء الشخصیات التراثیة فی الشعر العربی المعاصر: ص138.
(22)        مسرحیة محاکمة المتنبی: ص 145، 146.
(23)        السابق: ص147.
(24)        السابق: 149، 150.
(25)        استدعاء الشخصیات التراثیة: ص255.
(26)        محمد عبد العزیز شنب: مسرحیة المتنبی فوق حد السیف، الهیئة المصریة العامة للکتاب،1986م، ص8.
(27)        السابق: ص9.
(28)        جمالیات القصیدة المعاصرة: ص94.
(29)        مسرحیة المتنبی فوق حد السیف: ص10.
(30)        السابق: ص12.
(31)        السابق: ص36.
(32)        د. محمد غنیمی هلال: فی النقد المسرحی، دار نهضة مصر، 1955م، ص6.
(33)        مسرحیة المتنبی فوق حد السیف: ص64.
(34)        السابق: ص64.
(35)        محمود أمین العالم: الوجه والقناع فی مسرحنا العربی المعاصر،بیروت، دار الآداب، ط1، 1973م، ص270.
(36)        مسرحیة المتنبی فوق حد السیف: ص96.
(37)        د. علی عشری زاید: عن بناء القصیدة العربیة الحدیثة، مکتبة الآداب، 2008م، ص 121.
(38)        مسرحیة المتنبی فوق حد السیف: ص83.
(39)        السابق: 87.
(40)        قُتِل یوم الأربعاءلإحدى عشرة لیلة بقیت من رمضان، سنة أربع وخمسین وثلثمائة نیزع، دیوان المتنبی: تحقیق وتعلیق د. عبد الوهاب عزَّام، الهیئة المصریة العامة لقصور الثقافة، د.ت.
(41)        ولد فی فبرایر 1967م بمحافظة البحیرة، حصل على بکالوریوس علوم وتربیة- جامعة الإسکندریة، عضو اتحاد کُتَّاب مصر واتحاد کُتَّاب العرب، موقع التبراة الإماراتی.
(42)        خیر الدین الزرکلی: ترجمة الأعلام، ج5، بیروت، دار العلم للملایین، ط15، 2002م، ص48.
(43)        عبد المنعم محمد العقبی: مسرحیة ضمیر الغائب، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1995م، ص9.
(44)        السابق: ص11.
(45)        السابق: ص19،20.
(46)        السابق: ص25.
(47)        السابق: ص29.
(48)        السابق: ص65.
(49)        د.جابر عصفور: المرایا المتجاورة دراسة فی نقد طه حسین، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1983م، ص375.
(50)        مسرحیة ضمیر الغائب: ص71.
(51)        السابق: ص78.
(52)        السابق: ص87.
(53)        د. جابر عصفور: مجلة فصول (المجلد الأول) العدد الرابع (یولیو1981م- رمضان1401ه) ص123.
(54)        مسرحیة ضمیر الغائب: ص103.
(55)        السابق: ص117.
(56)        السابق: ص 120.
(57)        السابق: ص179.
(58)        السابق: ص243،242.
(59)        السابق: ص245.
(60)        صلاح عبد الصبور: حتى نقهر الموت، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1995م، ص 63
قائمة المصادر والمراجع
(1)   د. جابر عصفور: المرایا المتجاورة دراسة فی نقد طه حسین، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1983م.
(2)   د. جودة عبد النبی جودة السید: المسرح السیاسی المعاصرفی مصر، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 2015م.
(3)   خیر الدین الزرکلی: ترجمة الأعلام، ج5، بیروت، دار العلم للملایین، ط15، 2002م.
(4)   د. سامی سلیمان أحمد: آفاق الخطاب النقدی، مکتبة الأنجلو المصریة، 2008م.
(5)   د. سید علی إسماعیل: أثر التراث العربی فی المسرح المعاصر، القاهرة، دار قباء، 1999م.
(6)   شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان الذهبی: تاریخ الإسلام ووفیات المشاهیر والأعلام، تحقیق د. عمر عبد السلام تدمری، دار الکتاب العربی، بیروت، ط1.
(7)   صلاح عبد الصبور: الأعمال الکاملة،الأوراق السیاسیة،القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1992م.
(8)   صلاح عبد الصبور: حتى نقهر الموت، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1995م.
(9)   د. صلاح فضل: مناهج النقد المعاصر، دار الآفاق العربیة، 1997م.
(10)        د. طه وادی، جمالیات القصیدة المعاصرة، القاهرة، دار المعارف.
(11)        عبد الله أبوهیف: قناع المتنبی فی الشعر العربی الحدیث، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، 2004م.
(12)        عبد الله أبوهیف: قناع المتنبی فی الشعر العربی الحدیث، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، 2004م.
(13)        عبد المنعم محمد العقبی: مسرحیة ضمیر الغائب، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1995م.
(14)        علی جعفر العلاق: فی حداثة النص الشعری- دراسة فنیة، ط1، عمان، الأردن، دار الشروق، 2003م.
(15)        د. علی عشری زاید: استدعاء الشخصیة التراثیة فی الشعر العربی المعاصر، القاهرة، دار غریب 2006.
(16)        د. علی عشری زاید: عن بناء القصیدة العربیة الحدیثة، مکتبة الآداب، 2008م.
(17)        فاطمة یوسف محمد: المسرح والسُّلطة فی مصر من 1952: 1970، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب،1994م.
(18)        محمد عبد العزیز شنب: مسرحیة المتنبی فوق حد السیف، الهیئة المصریة العامة للکتاب،1986م.
(19)        د. محمد غنیمی هلال: فی النقد المسرحی، دار نهضة مصر، 1955م.
(20)                       محمود أمین العالم: الوجه والقناع فی مسرحنا العربی المعاصر، بیروت، دار الآداب، ط1، 1973م.
(21)        د. مصطفى ناصف: اللغة بین البلاغة والأسلوبیة، النادی الأدبی الثقافی، جدة، 1989م.
(22)        د. نبیل راغب: لغة المسرح عند ألفرید فرج، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1986م.